الطيب الجوادي
التقشف، أي ترشيد النفقات، هي فكرة نبيلة بالتأكيد ولكن يبقى السؤال الجوهري: من هو المطالب بالتقشف وشد الحزام ؟
عندما زرت قصر بورقيبة في سقانص اندهشت من نوعية الأثاث والرخام المستورد، وقد حرص الدليل الذي رافقني في الزيارة أن يشرح لي بكل فخر، أن القصر كان مجهزا بالتكييف المركزي وبالمصاعد رغم أنه بُني في الستينات، طبعا غرفة وسيلة وهاجر ابنته بالتبني تشي إلى أي درجة كان الزعيم مولعا بالأبهة، ويكفي أن حجرات القصر مصممة من طرف أشهر مهندس فرنسي في ذلك الوقت.
سألت الدليل ببلاهة: في ذلك الزمن البعيد كان الشعب غارقا في الظلام والفقر المدقع، فكيف سمح لنفسه أن يجعل بعض الحنفيات والأواني من الذهب الخالص ؟
المشكل في حكوماتنا المتعاقبة منذ الاستقلال أنها ظلت تطالب الشعب الكريم وحده بتحمل التضحيات والمزيد من التقشف في حين تتغاضى عن النافذين وأصحاب الجاه وملاك الأراضي والأغنياء والنتيجة: الفقراء يزدادون فقرا وحرمانا والأغنياء يزدادون غنى، والأدهى والأمر أن هؤلاء النافذين لا يدفعون آداءات، ولا يساهمون بأي شكل في تزويد كاسة الدولة بالمال، وهم يتبجحون بقصورهم وسياراتهم الفارهة ومستوى معيشتهم المرتفع ولا تطالبهم الدولة بشيء باعتبارهم يمثلون رأس المال الوطني!
وهاهو سيدي الشاهد ابن أمه ومعه وزراؤه البلدية المترفون يبشرون الزواولة بأنهم مقبلون على… شد الحزام أكثر.
السؤال: ماذا بقي للزوالي أن يخسر؟
وما الذي سيمنعه مستقبلا ان يهدّ المعبد على الجميع.
ووقتها ستكون الحرب الأهلية المدمّرة.
وكتبه الطيب ولد هنيّة، زوّالي بأحلام بورجوازية.