عبد القادر الونيسي
حدثني أحد إخواني قال: عند إشرافي على لقاء بالإخوة بادرني أحد هم سائلا عن حقيقة “معمل الياجور” الذي نسبه لي إعلام السفاهة.
صدمني السؤال وقلت إن كان فينا من يصدق هذه الفريات فكيف بحال عامة الناس.
تذكرت هذه القصة على هامش إنطلاق موسم إستهداف النهضة. يخطىء من يظن أن هذا المكر منطلقه إشاعات يطلقها أفراد من هنا وهناك لا يجمعها تواطىء ممنهج وراءه “ماكينة” متمرسة ومحترفة. حديث الإفك الذي طال إخواننا الأيام القليلة الماضية لم يكن صنيع أفراد ونتاج أحقاد شخصية يحملها هذا أو ذاك نحو الحركة. لا أبرئ أحدا من الإنخراط في “ماكينة” إستهداف النهضة بما فيهم حلفاء التوافق المغشوش. أصحاب هذا المشروع يدركون جيدا قدرة هذه الإشاعات على بث الشك حتى في قلوب الأنصار والمتعاطفين فما بالك بعموم الناس.
منطلق الإشاعة الأخيرة التي استهدفت مقرر الدستور مصدرها أحد النقابات الأمنية (تأسست لخدمة أباطرة الفساد) تلقفتها مواقع كبرى وخاصة موقع نسمة (تأكل في الغلة وتسب في الملة) في تقاسم مرتب للأدوار. رفع بعض الإخوة أصواتهم يلومون الحركة على عدم مقاضاة مروجي الإشاعات وكأنه الحل السحري الذي سيقطع دابر هذا الشر ويغفلون أن ضرره ربما أكبر من نفعه: المعتدي يصبح ضحية والضحية يصبح معادي لحرية التعبير ثم غالبا ما تنتهي الأحكام إلى خطايا مالية بسيطة تدفعها جهات مجهولة.
غفلت النهضة في البداية عن الأثر الفتاك لهذه الحملات التي خسرت من ورائها الإنتخابات والحكم وسمعتها خاصة. انتبهت الحركة بعد ذلك للضرر الذي أصابها فأنفقت أموالا طائلة لتأسيس مؤسسات هدفها الدفاع عنها وتحسين صورتها. باءت أغلب هذه المحاولات بالفشل الذريع لقلة خبرة القائمين عليها ولسوء تصرف لم يحاسب عليه أحد إلى يومنا هذا…
إرتباك النهضة وعجزها عن التصدي لهذا القصف الممنهج يعود لشراسة مواجهة تملك مفاتيحها نخبة معادية وظهير خارجي ينفق بسخاء لإدامة التوتر الداخلي حتى لا تصبح تونس نموذجا مغريا لشعوب عربية أخرى.
حملات التحرش المعلنة على الحركة هو فاصل من آلة رهيبة تشتغل لتفتيت المشروع برمته توظف العلماني والمتدين وحتى بعض أبناء المشروع (عن جهل وغباوة في أغلب الأحيان).
تحت ظغط خصومها تخلت الحركة عن أحزمة دفاعاتها الشعبية (العمل الإجتماعي والدعوي والثقافي) التي حاولت ترميمها بعد الثورة مما أفقدها تمترسا هي في أشد الحاجة إليه.
كيف ستواصل الحركة الزحف رغم القصف لتصل إلى بر النجاة والتسليم لها كشريك رئيس في إدارة الشأن العام وهل هذا ممكن؟
إعادة إنتشار جديد يفعل خطوط الدفاع الشعبية لكسب الرأي العام وتحييد أكبر عدد من الخصوم والتقليل من التجاذبات الداخلية ومقاربة إعلامية شاملة وعصرية يسيرها عقل نابه يقلل إلى حدوده الدنيا إستهداف الحركة الإسلامية إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
والله من وراء القصد.