إسكندر الرقيق
إن المتتبع للحياة السياسية في تونس على مدى السنوات الأخيرة ولاسيما منذ الانتخابات الأخيرة يلحظ بشكل واضح وجلي أنّ الأزمات بمختلف أنواعها وأشكالها قد أحاطت بالدولة والمجتمع من كل صوب وحدب، وعلى جميع الأصعدة والمستويات وفي كافة المجالات والقطاعات.
فأزمات السياسة أصبحت خبزا يوميا لا يكاد ينتهي أو ينقطع، من مشاكل الأحزاب إلى أخطاء الحكم وسوء التصرف في مقدرات الدولة وسوء اتخاذ القرارات والخيارات وغيرها.
أما عن مشاكل وأزمات الاقتصاد فحدث ولا حرج، تقهقر غير مسبوق للدينار التونسي وعجز فادح في الميزان التجاري وتراجع نسبة النمو العام، وارتفاع مشط للأسعار ومستوى عيش المواطن في مقابل تدهور القدرة الشرائية وتزايد المصاريف والنفقات..
وللمجتمع أيضا نصيبه في الأزمات الحارقة التي عصفت بالبلاد، حيث أن مشاكل الأسرة ونسب الطلاق والتشرد والجريمة والانحدار السلوكي والأخلاقي في ارتفاع ملحوظ ولافت وغير مسبوق..
كل هذه المشاكل والأزمات، وهذا فيض من غيض، تجعل من النخبة الوطنية الصادقة مسؤولة أكثر من أي وقت مضى للمساهمة في حلحلت الأوضاع ولو بقدر بسيط كل حسب طاقته وقدرته. ولكن الناظر والمتمحص في كل هذه المشاكل والأزمات التي أحاطت بنا من كل جانب، وهي تقول هل من مزيد، يلحظ أنّ وراءها جميعها أزمة أكبر وأخطر، وهي عدم وجود القائد أو المنقذ الذي تتوفر فيه شروط القيادة والزعامة الحقيقية والتي تجعله قادرا على تغيير الوضع مهما بلغ من التأزم والتعقيد. فأزمتنا اليوم في تونس هي أزمة قيادة وزعامة قبل كل شيء، ولكن مع الأسف الكل يدعي ذلك ولكن ما من أحد تتوفر فيه الشروط الأساسية والضرورية لهذه القيادة المنقذة والناجحة.
فمن أهم شروط القائد اليوم في بلادنا وفي كل العالم، أربعة خصال مترابطة لا غنى عن إحداها، وهي الكفاءة أولا ثم النزاهة والشفافية ورابعها الدهاء أو حسن التصرف والتسيير. إن توفرت بعضها في شخص دون آخر لا يمكن أن يكون قائدا حتى أن يجمع الأربع معا. فالكفاءة أساس أي عمل وهي إتقان العمل ومعرفة لوازمه ومتطلباته، والنزاهة هي نظافة اليد وعدم التهاون في أموال المجموعة، اما الشفافية فهي الوضوح وإتاحة كل المعطيات والمعلومات والحسابات للجميع أو لمن يهمه الأمر. اما الدهاء وهي الخصلة الرابعة فهي حسن التصرف واتخاذ القرارات وانتهاج الخيارات حسب تغير الظروف والمعطيات وخاصة في وقت الشدائد والأزمات..
وإذا ما أردنا إيجاد هذه الخصال الأربع في أحد قادة هذا البلد، نكاد نعجز عن ذلك. فكل المتصدرين للشأن العام اليوم مع الأسف وإن توفرت فيهم البعض منها غابت عنهم بعضها الآخر. هذا إن لم نجد فيهم ما يناقضها أصلا كالفساد أو الغموض أو التهرب الضريبي أو سوء القول والفعل هنا أو هناك، والأمثلة في ذلك كثيرة وعديدة. وكأن هناك من لا يريد للكفاءات الفعلية والحقيقية والتي قد تتوفر فيها فعلا مثل هذه الشروط المثالية ان يتصدر للشأن العام أو أن يكون في خدمة الدولة والشعب، وليست بقصة وزير المالية المستقيل فاضل عبد الكافي عنا ببعيدة. حيث لم يعرف الرجل بغير الكفاءة والنزاهة وحسن التصرف منذ توليه للوزارة ومع ذلك تحركت ضده بعض اللوبيات والأجنحة لإحياء قضايا ضده وتضخيمها بغاية تحييده من الحكومة والشأن العام للبلاد في وضع اقتصادي صعب ودقيق للغاية وكأن هناك من لا يريد الخير لتونس وشعبها؟ وما خفي كان أعظم..