صالح التيزاوي
بدأت حمّى الإستعداد للإنتخابات البلديّة تكشف عن بعض اسرارها، حيث تشير أخبار الأحزاب إلى أنّ تحالفا ما في طريقه إلى التّشكّل بين التّيّار الدّيمقراطي بزعامة آل عبّو والجبهة الشّعبيّة. فما دلالة هذا التّحالف؟
يصعب التّصديق بأنّ هذا التّحالف إن تمّ هو وليد اللحظة (تحالف انتخابي). لقد ظهرت إرهاصاته في ثلاث محطات أساسيّة بعد الثّورة:
1. عندما استقال السّيّد محمّد عبّو مبكّرا من حكومة التّرويكا الأولى وقد رحّب اليسار الرّاديكالي بالحدث في حينه واعتبره مؤشّرا على بداية فشل التّرويكا والإسلام السّياسي عموما.
2. الحملة الشّعواء التي تزعّمتها السيدة عبّو على حركة النّهضة بمناسبة عرض النّسخة الأولى من الدّستور، وقد وصل بها الأمر إلى حدّ اعتبار النّسخة المقدّمة “دستورا إخوانيّا”.
خدمة أخرى قدّمها “آل عبّو” لليسار الذي حزم أمره على إجهاض التّجربة الدّيمقراطيّة مهما كان الثّمن، فكان التّحالف مع النّظام القديم والإستقواء به في اعتصام “الرّزّ بالفاكية”.
3. انحياز السّيّدة عبّو للنّائب “المنجي الرّحوي” على خلفيّة “موقعة الهويّة” مع النّائب الحبيب اللّوز. تلك المحطّات كانت مؤشّرا على وجود تقارب غير معلن بين “آل عبّو” والجبهة
الشعبيّة، تقارب ظلّ يطبخ على نار هادئة.
هذا التّحالف إن تمّّ بالفعل فلا شكّ أنّه يصبّ في مصلحة الجبهة أكثر من التّيّار الدّيمقراطي لأنّ الجبهة تريد أن تظهر بمظهر القادر على حشد الأحزاب خلفها كدليل على جاهزيّتها لتسلّم الحكم، كما صرّح بذلك النّاطق الرّسمي باسمها في أكثر من مرّة. أمّا التيّار الدّيمقراطي فلن يكون حظّه اوفر من حظّه في الإنتخابات التّشريعيّة السّابقة. سينتهي به الأمر إلى مجرّد رقم على لائحة الأحزاب المكوّنة للجبهة. بل إنّ تحالفا كهذا سيوقعه في حرج لكونه خرج من دائرة الوسطيّة، وقطع شعرة معاوية مع رفاقه في “الحراك” ومع سائر الأحزاب الوسطيّة.. يبدو أنّ التّيّار الدّيمقراطي قد غفر للجبهة سعيها المحموم لتقويض المسار الدّيمقراطي وغفر لها استدعاءها للنّظام القديم أيّام اعتصام الرّحيل. لا أحد يشكّك قي نضال “آل عبّو” سنوات الجمر، وفي تطلّعهما منذ قيام ثورة الحرّية والكرامة إلى تحقيق أهدافها، وفاء لشهدائها الأبرار. فهل ضلّ “الأسد” و”اللّبؤة” طريقهما، لأنّ تحقيق أهداف الثّورة لن يكون بالإرتماء في أحضان جبهة تمجّد انقلاب العسكر على الثّورة في مصر واختزلت أحلامها الثّوريّة في “فم سلاطة مشويّة” زمن حكم التّرويكا، وفي صورة مع قاتل الأطفال في بلاد الشّامّ.
إن أمكن التّغاضي عن كلّ ما سبق فهل غفر “آل عبّو” للجبهة أنّها هي من قطعت الطريق ذات يوم من انتخابات 2014 على رفيق الدّرب والمناضل الحقوقي والمعارض الشرس لنظام المخلوع الرّئيس السّابق الدكتور المنصف المرزوقي؟ إنّه لأمر محزن أن يعلّق آل عبّو منجلا بعد السّيف… بعد سجلّ حافل بالنّضال ضدّ إمبراطوريّة الخوف التي بناها المخلوع… وكان آل عبّو
طرفا بارزا في الإطاحة بها.