تدوينات تونسية

كانت محض صدفة…

عبد اللطيف علوي
حين رأيت على صفحة الاستقبال على جدار الفايسبوك، تعليقا لصديقتي Naima Kouki كتبته ليظهر على جدار شخص آخر لا أعرفه، هو : Biba Imra
“ادفع ما تبقى من عمري.. وتقرأ رسائلي وتجيبني.. Biba Irma”
تملّكني الفضول، هل يكون الأمر مجرّد خلاف بين شخصين؟ هل هي رسالة عشق؟ هل يكون في الأمر ما يدعو إلى الاهتمام؟
حملني الفضول إلى صفحة: Biba Irma
لم أجد منشورات لصاحبة الصّفحة، وجدت منشورات لأناس آخرين، يترحّمون على روحها ويدعون لها بطيب المقام في جنّات الخلد…
شعرت بوخزة في قلبي مثل الإبرة، نزفت قطرات سخينة بين جنبيّ…
نزلت مع الصّفحة رويدا رويدا، وأنا أقرأ ما ينشره بانتظام أشخاص يبدو أنّهم من أهلها وذويها، أختها ربّما، وأشخاص آخرون… يناجونها وهي غائبة، يطرقون بابها فلا تردّ… يسألونها ضمّة أخيرة، أو كلمة، أو…
لكنّها تظلّ صامتة…
واعتصر الألم قلبي أكثر، حين وجدت أنّ حسابها ظلّ مفتوحا منذ وقت وفاتها، لا أعرف متى كان ذلك، وأنّ أولئك الزّوّار ظلّوا يتردّدون عليها من حين لآخر، ينثرون الورود والأدعية والأحزان والدّموع عليه، كأنّه قبرها… اهتزّت نفسي وارتعشت… هل يمكن أن تتحوّل صفحة في الفايسبوك إلى قبر يُزارُ؟
لم يعد الأمر مجرّد فضول، صار وجعا عميقا يسبقني وأنا أنزل مع الحساب، فلا أجد غير منشورات أهلها، وصار قلبي يخفق بشدّة كلّما نزلت أكثر، وأنا أتوقّع أن يظهر لي آخر منشور نزّلته المرحومة في حياتها… قلبي يخفق وأنفاسي تضيق وأنا أركض نازلا… كأنّي أسعى إلى لقائها، وأخاف تلك اللّحظة… هي حيّة هناك… في مكان مّا من هذا العالم الأزرق الفسيح سأجدها هناك، سأجد آخر ما نشرت وآخر ما تركت معلّقا على هذا الفضاء من روحها…
سرت طويلا حتّى وصلت إلى 28 أكتوبر 2014، فوجدت صديقتي Naima Kouki قد نشرت على جدارها هذه التّدوينة:
“كل عام وانت إلى الله اقرب.. كل عام وانت بالف خير ♡ ”
إذن هي حيّة الآن… وهؤلاء أحبابها يحتفلون بعيد ميلادها ويتمنّون لها العمر الطّويل والخير والرّضوان… هي حيّة الآن وإن كانت لا تردّ… لا شكّ أنّها الآن ترقد في المستشفى أو غائبة عن الوعي أو… أيّ شيء آخر… لكنّها مازالت حيّة، وسأصل قريبا إلى آخر منشوراتها لأشاركها آخر لحظات حياتها…
وصلت إلى تاريخ 24 أكتوبر… وفجأة وجدتها أمامي… آخر منشور لها… عن الاستغفار… وآخر كلماتها: “أستغفر الله العظيم وأتوب إليه”
شعرت أنّني أدركتها لآخر لحظة في حياتها، كي أتعرّف وأسلّم عليها قبل أن تمضي…
واستدرت إلى داخلي…
ياااااااه… ما أقسى هذه الرّحلة الّتي قطعتها في لحظات…
كم نحن عابرون… وكم نحن زائلون وكم نحن مجاز وذكرى… وكم نحن غافلون عمّا نكتب وما ننشر على هذه الصّفحات…
هذه الصّفحات ستبقى شاهدة علينا لوقت قد يطول وقد يقصر، فلا تستهينوا بما تنشرون عليها… لا تتركوا عليها أثرا من دم إنسان، أو عرض إنسان، أو حقّ إنسان، أو ظلم لأيّ كائن على وجه الأرض…
اجعلوها شفيعا لكم يوم القيامة، وتذكرة لمن أراد أن يتذكّر، وهو يمرّ على تلك القبور… صفحاتكم الّتي ستتحوّل ذات يوم إلى مجرّد قبور، اجعلوها رياضا تفيض بالعطر والمحبّة والسّلام، ولا تجعلوها حفرا تفوح منها رائحة الجيفة، رائحة الكراهية والتباهي بالمعاصي والاستخفاف بنعمة الحياة…
مسحت دمعتي… دمعة ندم على ما فرّطت أنا أيضا، وقد فرّطت في كثيييير…
ودعوت لها بالرّحمة، وإن كنت لم أعرف اسمها الحقيقيّ، وكان بإمكاني أن أسال أختها، صديقتي Naima Kouki
لكنّني فضّلت أن لا أخبرها بأيّ شيء حتّى تقرأ النّصّ.
رحم الله “حسيبة” وغفر لها…
“أستغفر الله العظيم وأتوب إليه”

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock