حين قال للبوليسية: “مالا أنتم آش تعملوا هنا ؟”
كمال الشارني
المشكلة الحقيقية اليومية في تونس والتي لا تصمد أمامها أية مشكلة لا مساواة في الميراث ولا زواج بكافر أو أي موضوع من الخزعبلات، هي أنك لا تقدر على أخذ صرف ولا عدل في هذه البلاد المجنونة، أعرف مواطنا صالحا ضعيف الجسد قوي الثقافة والكبرياء، اشتكى “عشرة آلاف مرة” إلى الشرطة منحرفا يتحرش بطفلتيه أثناء عودتهما من المدرسة، وفي النهاية، أنتدب منحرفا ببعض قوارير الخمر قام بتأديب المتحرش الشاذ، وانتهى الموضوع، لكنه اعترف لي: “كم هو مرّ التفاوض مع منحرف لتحمي بناتك”.
وأكثر العبارات انتشارا هذه الأيام هي “برا اشكي”، تماما مثل اشكي للعروي في زمن القضاء تحت صباط الحزب الواحد والتعليمات، وقد تقضي عمرك كله في انتظار حكم العدالة ولا يتسلمه إلا أبناؤك وفاء لما أنفقت حياتك ومصروف أبنائك من أجله، وحدثني صديق قديم عن جار ظالم، استولى على المساحة التي أمام منزله كلها وحولها إلى ورشة ميكانيك ومستودع سيارات، قال له رجال الشرطة: “برا لوكيل الجمهورية”، وهو يعرف أن وكيل الجمهورية مشغول بأشياء أخرى أهم، غير أنه تورط في ما لا تحمد عقباه حين قال للبوليسية: “مالا أنتم آش تعملوا هنا ؟”، وقد روى لي أن أحدهم جذبه برفق بعيدا لإقناعه ثم كان ما كان: حطم نظارته وأنفه وشيئا من شفتيه، فاختار أن يتصالح مع الميكانيكي الباندي لفتح طريق المشاة نحو البيت، فهذا أقل كلفة.
وأنا ليست لي أية مشكلة مع البوليسية، لأني مواطن ضعيف وليست لي أية شكوى ضد أي أحد من الجيران ولا ضد أي شيء في هذا الوطن الكئيب مع أني أتفق تماما مع فكرة انتداب منحرفين لحماية أنفسنا وهو ما نصحت به صديقي جار الميكانيكي الظالم، وأعتبر أية محاولة لإقناعي بعيدا عن مركز الشرطة عملا غير محمود العواقب، وهذا النص هو مجرد محاولة للنقل الصحفي، وناقل الكفر ليس بكافر، والله أعلم.