كارم يحيى
دخول الأزهر الأول على خط مبادرة الرئيس التونسي بفتح “النقاش الوطني” ببلاده حول المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وتدخله في مسأله يراها حتى علماء الزيتونة شأنا داخليا محليا كان مثار انتقادات وتحفظات مهمة بين التونسيين لا يجب اغفالها وها هو الأزهر يتورط ثانية -وهذه المرة على لسان شيخه أحمد الطيب- وكأن لا أحد يسمع او يحاول ان يفهم ناهيك ان يعرف ما يجرى بتونس.
وبصرف النظر عن المواقف المتعددة بين التونسيين وغير التونسيين من المساواة في الارث وزواج المسلمة من غير المسلم فإن الأزهر رسخ قناعة بأنه أسير التفسير الحرفي للنص القرآني ومع شمولية الإسلام وضد الاجتهاد وأنه يتجاهل التغييرات والتطورات في الزمان والمكان. بل وضد الحوار. ومن حيث يخضع الأزهريون في قيادة المؤسسة الأزهرية في هذا السياق لإغراء أنهم “حراس الإسلام” وحتى خارج مصر فإنهم يمنحون نقادهم الدليل تلو الآخر كي يصموا الأزهر بالرجعية والسعي لأن يصبح “فاتيكان االمسلمين” على غرارا ما كان في أوروبا بالعصور الوسطي.
ولقد طالما تعرض الأزهر لانتقادات وللهجوم لخطاياه المزمنة في التدخل بالسياسة ودعم الاستبداد والدكتاتوريين ناهيك عن محاولة فرض نفسه كجهة رقابة على الفكر والابداع وفي مصر شواهد عدة -ومنذ سنوات- على اصطفاف مشيخة الأزهر في تحالف “غير اخلاقي” بين الجنرالات في السلطة والسلفية برعاية سعودية والآن تخسر مشيخة الأزهر بتدخلها في هذا النقاش التونسي حول المساواة في الميراث حتى التونسيين الذين أيدوا أو تغاضوا عن دورها السياسي في دعم حكم الجنرلات بمصر واعتبروه حائط صد ضد الإخوان.. وحتى هؤلاء اصبحوا الآن يتذكرون ويذكرون ويعيدون اكتشاف ما فعلته مشيخة الأزهر حينما انقضت على فرصة بناء الديموقراطية في مصر وتبريرها للاستبداد والفساد والقمع وانتهاك حقوق الانسان وصولا الى المذابح. ناهيك عن أن الأزهر بتدخله في “الحوار التونسي” جلب علي نفسه مظنة خوض المعركة ضد الحداثة في تونس بالنيابة عن آل سعود (الذين يستضيفون ويوفرون ملاذا آمنا للدكتاتور المخلوع بن على ولا يرتاحون بالقطع لما حققته وتحققه المرأة التونسية فيما يحجبون عن المرأة حتى مجرد حق قيادة سيارة).
شخصيا أنا ممن يعتقدون بضرورة ازالة القداسة عن الاشخاص والمؤسسات والنصوص وأن نتناول بالنقد (النقد الموضوعي) كافة الأمور بما في ذلك الإسلام والمسيحية (نصوصا ورموزا) كي نتقدم ونتحرر ونصل الى ان نصبح “إنسان” و”مواطن”.. لكني لست مع فرض التحولات التقدمية من أعلى وبالاجبار وبالقسوة على جماهير مفقرة ومجهلة ضحية أنظمة الاستبداد والثقافة التقليدية المحافظة.
وشخصيا أرقب بسعادة ما تحققه المرأة التونسية من مكتسبات وحقوق وأقدر ما قدمته وتقدمه من نضالات. وسعيد بتقدم تونس -وأي بلد عربي- في طريق الديمقراطية والتنوير والحداثة (مع ملاحظات نقدية عدة حول الحداثة المزيفة والمشوهة).. وسعيد بان تتعدد الآراء داخل تونس حول هكذا قضايا حياتية معيشية دون أن تعلو اصوات التكفير أو التخوين لتصم الآذان وتطغي على النقاش.. وسعيد بأن تفتح تونس بعد ثورتها باب الحريات الفردية ومدنية الدولة كي يخطو الانسان العربي نحو التحرر من عقلية وسطوة القبيلة والعشيرة والدولة الشمولية.. وسعيد بأن تبث الإذاعة والتلفزيون التابعين للدولة في تونس أخبارا معارضة لمبادرة رئيس الجمهورية في صدر نشراتها حتى ولو استندت الى مرجعيات دينية. والأهم سعيد بأن يجرى بالأصل فتح النقاش حول ماظل لقرون وليس لعقود من “المحظورات والمحرمات” وأتمني نقلا اخباريا ومعلوماتيا صادقا ومتوازنا في اعلامنا المصري وتفهما أكبر لما يجرى بتونس.. هذا على الأقل احتراما لحق المعرفة.. وحتى يتأسس الرأي على علم ولا ينبني عن جهل وعدم فهم أو توظيف رخيص لادامة الاستبداد والجهل والتجهيل ولعله سيأتي اليوم القريب الذي اكتب مشاهداتي وحواراتي من واقع الاقامة بتونس….
تحية لنضالات المرأة المصرية والتونسية
للنساء العاملات هنا وهناك في الحقول والمصانع وفي كل مكان داخل البيوت وخارجها
وتحية خاصة لعاملات مصانع المحلة اللاتي خضن اضرابا تلو آخر دفاع عن الحقوق ولما ترمزن له
ومثلها تحية خاصة للنساء التونسيات العاملات في الحماية المدنية (الإطفاء) اللاتي كافحن وسط النيران حرائق الغابات بشجاعة ولما ترمزن له ولعل نشر صورة واحدة لعاملة مصنع من المحلة أو اطفاء بغابات تونس كفيلة بالرد على من ينكرون على النساء المساواة في كل المجالات والحقوق والواجبات.