تدوينات تونسية

ماهي مشكلة الرّجال مع النّساء ؟

عبد اللطيف علوي
طبعا هذا كلام لا يدّعي الإلمام، وإنّما هو ملاحظات متفرّقة ربّما تساعد على التّفكير.
مشكلة الحبيبة الّتي تتحوّل إلى زوجة أنّها لا تريد أن تفهم أنّ تعبيرات الحبّ ليست ثابتة، وإنّما هي متغيّرة بتغيّر الأحوال. قبل الزّواج هناك تعبيرات حامية ناتجة عن الشّوق والحرمان والرّغبة، تفاعل هورمونات معيّنة يؤدّي إلى كثير من تلك الشّاعريّة والاشتياق والرّغبة، لكنّ الحالة تتغيّر بعد الزّواج وبعد أن يحدث الإشباع، وتأخذ الحياة شكلا آخر يمتلئ بما هو يوميّ واجتماعيّ، وتبرد اللّهفة بشكل طبيعيّ وتسقط بالتّدريج تلك الكلمات المفعمة بالرّومانسية والحميميّة، لتتحوّل إلى سلوك يوميّ يعبّر عن العشرة والألفة والتّشاركيّة…
المرأة المتزوّجة لا تريد أن تفهم أنّ هذا تحوّل طبيعيّ بشريّ وليس دليل إدانة ضدّ الرّجل… تظلّ تشعره دائما بأنّه تغيّر، وهو صحيح قد تغيّر وذلك أمر طبيعيّ، المشكلة تكمن في أنّها هي لم تتغيّر، لأنّ المرأة بطيئة التّأقلم مع الواقع فيما يتعلّق بالأمور العاطفيّة… تظلّ تنظر إلى الرّجل بنفس الصّورة كأنه كائن خارج الزّمن، لكنّ المسكين يتغيّر، بكثير من العنف في داخله وبكثير من الألم، هناك من يسقط شعره ويصبح أصلع مثلي، وهناك من ستنبت له كرش مزعجة، وهناك من سيصبح يشخر وهناك من ستكتشف زوجته بعد الزّواج أنّه كثير الحركة أو يقضم أسنانه طول اللّيل أو يطلق ريحا وهو نائم أو يغرغر كالموتى وهو يشخر… المسكين لا دخل له في كلّ ذلك، لأنّ نسق حياته سيفرض عليه أشياء كثيرة تحوّله أحيانا إلى ما يشبه فرس النّهر، لكنّ الزوجة الّتي كانت حبيبة سيصدمها ذلك، وتظلّ طول الوقت تقارن تلك الصورة بصورته الأصلية في رأسها، وبصور أبطال المسلسلات الجذّابين دائما، والشّاعريّين والرّومنسيّين دائما، لأنّهم ببساطة ليس لديهم في المسلسل مشكلة ماء ولا كهرباء ولا أضراس مسوّسة ولا انتفاخ في القولون ولا تهرّؤ في الجيب ولا ميكانيكي غشّاش ولا سبسي ولا كار صفراء ولا سروال ضيّق يشدّه من أسفل ولا موظّف يقلي له الزّيت في عينيه… تراه دائما رومانسيّا حالما، وبطلا منقذا وتنظر إلى زوجها فتجده كما وصفنا، ويبتعد الأصل عن الصّورة، ويكبر الغبن في نفسها وهي الّتي ترى صورة الفارس تتحطّم في عينيها ويكثر التّخرنين والتّأفّف والإحساس بالتّضحية إلخ إلخ… الملاحظ أنّ المرأة أيضا ستتعرّض هي بدورها إلى تغيّرات كثيرة، لكنّ الرّجل عموما سيكون أقلّ التصاقا بالصّورة القديمة وأكثر قدرة على تقبّل الشّكل الجديد والطّبع الجديد للزّوجة، لأنّه أكثر واقعيّة وأسرع تأقلما مع الزّمن…
من المشاكل الأخرى أنّ النّساء يعشن في عالم مليء بالتّفاصيل، أمّا الرّجال فلا يشعرون بتلك التّفاصيل من حولهم أبدا، المسألة متعلّقة بالتّركيبة الذّهنية لكلّ منهما… المرأة ترى كلّ شيء يقوم به الرّجل أقلّ جدّيّة وإتقانا ونجاعة ممّا كان يجب أن يكون، وتحاسبه باستمرار لأنه لم ينتبه إلى تلك التّفاصيل، فلماذا وضعت الكأس هنا ولم تضعها هناك؟ ولماذا أغلقت هذه النافذة وتركت الأخرى، كان يجب أن تفهم أنّه يجب أن تفعل العكس؟ ولماذا لم تتفطّن إلى أنّ تلك المخدّة ليست في مكانها وذلك الإطار مائل قليلا إلى اليمين، وصوت التلفاز أعلى ممّا يجب، وقفل الباب صار يصدر أزيزا… ولماذا اشتريت دلاّعا ولم تشتر بطّيخا ولماذا أيقظتها وهي تريد أن تنام ولماذا لم توقظها وأنت تعرف (يجب أن تعرف) أنّها كانت تنوي أن تستيقظ باكرا لأيّ سبب غامض لم تخبرك به وكان يجب أن تعلمه من تلقاء نفسك؟ ولماذا نسيت عيد ميلادها وعيد زواجها ويوم تعرّفت عليها ويوم اشتريت لها تلك الحقيبة الحمراء ويوم تناولت معها كأس الرّوزاطة خلسة في عرس سعيدة جارتها، ولماذا لا تفاجئها بأشياء قبل أن تطلبها (طيب يا عزيزتي اطلبي أنت وأنا أنفّذ لك طلبك) لا… هي لا يرضيها ذلك، يجب أن تكون يقظا وحسّاسا ومنتبها كلّ يوم لتفاجئها دون أن تطلب في حين أنّك تعاني أحيانا من أجل أن تتذكّر الطّريق إلى بيتك لهول ما تراه كلّ يوم، وأنّ بقاءك حيّا كلّ يوم بعد كلّ ما يمرّ على رأسك، هو في الحقيقة حدث يستحقّ الاحتفال كلّ يوم، و يستحقّ منها زغرودة ملعلعة حين تعود إليها…
تلك التّفاصيل العجيبة تغرق حياة الزّوجين في الخصام العقيم كلّ يوم، لا الرّجل يفهم ما هو المطلوب منه بالضّبط كي يكون حيوانا أليفا تقبل به الزوجة وتتعامل معه، ولا الزوجة تتنازل يوما عن تصميمها بأن تجعل الحياة داخل البيت مسطّرة بالقلم والمسطرة والكوس والمنقلة والبركار…
من الأشياء الأخرى التي يعاني منها الزّوج المسكين المغلوب على أمره أنّ زوجته لا تحترم كسله، ولا تريد أن تفهم أنّ الرّجل بطبعه كائن كسول ثقيل لو تركته أسبوعا أمام التّلفاز لوجدت العناكب قد نسجت خيوطها حول رأسه مع المخدّة ويده مع الكوموند وساقيه المثنيّتين بخلاف، هو لا يتعمّد ذلك، لكنّه بطبعه كسول، ولا يستطيع أن يصبح نملة مثلها، لأنّ أباه صرّار وجدّه صرّار وكلّ العائلة منذ الفاتح الأوّل صراصير لا تحبّ سوى الغناء والنّوم والتّثاؤب والتّمطّي ومشاهدة التلفاز بالساعات دون أن يثبّت الموجة في قناة واحدة لأكثر من ثلاثة ثوان… ما ذنب المسكين إذا كانت الزّوجة تريده مثل عبد الفتّاح زوج جارتها فريدة الّذي يغسل ويكنس ويطبخ معها ويساعدها في العولة وتفصيص الجلبانة وغسل الماعون مثل المرأة الحرّة؟… ما ذنبه إذا كان عبد الفتّاح، لا فتح الله عليه، قد حدث له تفسّخ جينيّ في مرحلة من مراحل تطوّره فأصبح كما تراه الآن؟ هي تتّهمه طول النّهار بأنّه لا يفعل شيئا في حين أنّه هو في الحقيقة صابر عليها لأنّها تفعل كلّ تلك الأشياء المجهريّة الغريبة التي تفسد استمتاعه بالكسل وتشعره أنّه يعيش في محطّة غسل السّيارات أو في ثكنة بوشوشة أو في مركض للخيول…
يوما فيوما، يشعر الرّجل المسكين بالاضطهاد العرقيّ في البيت، فينسحب إلى المقهى حيث قبيلة المضطهدين يجلسون بالسّاعات لا يفعلون شيئا سوى التّفكير في أضمن طريقة للانتحار والنّظر ببلاهة إلى المارّة ونشّ الذّباب عن أنوفهم المتجعّدة وزمّ شفاههم عند كلّ بقبقة للشّيشة والتّنفيس عن همومهم بالنّكات القبيحة واستذكار أيّام العزوبيّة وتبادل الخبرات في كيفيّة البقاء على قيد الحياة وهم أزواج ليوم آخر أو ليومين على أقصى تقدير.

للرّجال فقط (النساء غضّوا البصر)

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock