Site icon تدوينات

كائن “الرّهدان السياسي”..

أميمة الرحالي
لم تدّعِ السياسة يوما المثالية أو الصدق أو الثبات الذي لا يزحزح على مبدأ أبدا، ففيها من المراوغة والتلاعب والكرّ والفرّ ما لا يترك لهذه الادعاءات منفذا؛ وهكذا هم السّاسة في سعي لا ينتهي لغايات مضمرة في أنفسهم، تحت مسميات متقاربة فيها كثير من الخلط والمشتبهات والشبهات.
لكن كائن “الرهدان السياسي” مختلف ! مختلف بجميع المقايس، مرفولوجيا وسلوكيا.
أما عن مرفولوجيا “الرهدان السياسي”، فتتلخص عامة في ملامح تعبيرية قارّة، تحددها توجهات هذا المخلوق، فإما أن يكون من الفصيلة الباردة؛ ويتميز هذا الصنف بإبتسامة سمجة قارّة، وعضلات وجه مرتخية في اغلب الاحيان مع زي نمطي رتيب، بسيط ومنظم.
أمّا الفصيلة الحارة، فتتميز عادة بمظهر صارخ ومركب. وعضلات وجه منقبضة أغلب الاحيان مع انكماش كلي او جزئي لكامل الجسم، في محاولة يائسة لمحاكاة تمثال المفكر لرودان. وقد رجّح العلماء ان هذا المظهر اما ان يكون لتلافي الفراغات الفكرية العميقة او محاولة للتميّز عن الفصيلة الأولى بإعتبارها المنافس الاول على الغذاء.
يعيش كائن الرهدان السياسي بفصيلتيه، في المناطق الضحلة سياسيا ويتغذى عامة على العوالق الفكرية او الأفكار الرسوبيّة. وقد يتغذى أيضا على فضلات الفكر الغربي والنظم المهملة التي أثبتت فشلها الذريع في بلدان المنشأ، إلا أننا نجد أنّ كائن الرهدان السياسي -خاصة من الفصيلة الحارة- يجترها ظنا منه أنها قد تجعله من ورثة تلك الحظارة بيد انه لا يعدو ان يكون من ورثة زبالتها…
أما بالنسبة للفصيلة الاولى -الباردة-، والتي قد تكون اكثر فتكا من الفصيلة الثانية، فهي تقترب سلوكيا من الطفيليات كثيرا، فنجد كائن الرهدان يبحث عن جسم مضيف، يقتات على فكره وآرائه ويحتمي به من المناخات السياسية المتقلبة، وما إن يتلف الجسم المضيف أو يصبح غير قادر على التواجد في المناخ الجديد ينتقل كائن الرهدان السياسي إلى جسم مضيف أقوى وأكثر تأقلما…
يكمن خطر هذا المخلوق في سلوكه الشيزوفريني الحاد، او ما يسمى بداء الفصام، وهو كمن قال فيهم مصطفى السباعي “يقولون ما لا يفعلون، ويبتسمون لمن لا يودون، ويصادقون من لا يأتمنون ويخضعون لمن لا يحترمون، ويتملقون لمن لا يحبون، ويقتنون ما لا يحتاجون، ويدخرون ما لا يستعملون، ويبخلون بما يملكون، ويجودون بما لا يملكون، ويحبون ما به يتضررون، ويكرهون ما منه ينتفعون، وينفقون أعمارهم فيما لا يستفيدون”…
يدعي هذا المخلوق النزاهة والتمسك بمبادئ عليا. وقد تجده في اي مكان، على المنابر والمسارح وفي الأفراح والمآتم، في الشوارع والاسواق والشاشات والراديو والثلاجة… هو عنترة صفحات التواصل وأبو زيد الانستجرام.. كما أنه يدّعي النفور من كل مظاهر “الرجعية” ويدعي التفتح والانسجام مع الكون. بيد ان دينه وديدنه لا يجاوز مصلحته الشخصية واهدافه المضمرة.
نجد هذا المخلوق يتلون حسب الفصول والمناخات مستعرضا بذلك قدرة رهيبة على التألقم والبقاء. وقد تكاثر هذا الكائن وتزايدت اعداده بشكل مفزع في الآونة الاخيرة ولا سيما في المناخات السياسية الرطبة المشبعة بالتملق والتسلق والتبعية والمحسوبية. كما أنه يتعايش بانسجام مع أنواع أخرى من أصحاب الحقائب والكروش مما يهدد بقاء الانواع السليمة نسبيا.. نسأل الله السلامة.
لكن نظرا لإنتشار هذا الكائن وسقوط كل احتمالات مقاومته او الحد من انتشاره نرفق هذا المقال بعض النصائح في حال مصادفته وكيفية التعامل معه:
1. يكون كائن الرهدان السياسي عادة في حالة استقرار وهدوء، ينصح إذن في حال مصادفة كائن الرهدان بتجنب التورط معه في اي نوع من أنواع النقاش والاكتفاء بالتحية المتعارفة والمضي.
2. في حال التعرف المتأخر على كائن الرهدان والتورط في نقاش معه، ينصح باتباع إستراتيجية “هز الرأس.. الابتسام.. التملص ثم الهروب”.
3. في حال التعرف المتأخر جدا على كائن الرهدان والتورط في نقاش عميق لإثبات وجهات النظر فاعلم انك امام احتمالين:
• اما انك أمام كائن رهدان سياسي من الصنف البارد، في هذه الحالة ايا كانت حججك وايا كان منطقك، فسيضل كائن الرهدان يدور في نفس الحلقة المفرغة ليصل كل مرة لنفس النتيجة المبرمجة مسبقا في رأسه، مع صوت هادئ رتيب وإبتسامة سمجة ثابتة، مما قد يؤدي لإصابتك بنوبة قلبية ورفع نسبة احتمال الموت الدماغي لديك.
• واما أن تكون امام رهدان من الفصيلة الحارة؛ في هذه الحالة يجب توخي الحذر، فقد يتحول داء الفصام المميز للنوع عامة لداء الكلب لدى هذه الفصيلة بالذات، فقد سجلت حالات من الهيجان والعدوانية لدى هذه الفصيلة اذا ما هي حوصرت وسدت أمامها جميع المنافذ؛ مما قد يؤدي لأضرار مادية ومعنوية للجهة المقابلة.
4. في حال التعرف المتأخر جدا جدا على كائن الرهدان، والتورط في نقاش جوهري، فعلى الأغلب سيقوم كائن الرهدان باستدراجك وسحبك لأحد مستنقعاته الفكرية، أين ستكون له الغلبة، وقد تزحف نحوك بقية كائنات الرهدان من ساكني المستنقع إن أنت استمررت في المقاومة، ينصح في هذه الحالة بالتظاهر بالبله والايقاف الفوري لاي نوع من انواع النقاش.
5. أما ان مررت بكل هذه المراحل ولم تتعرف على كائن الرهدان الا بعد فوات الاوان، فأنت على الارجح مستعد جينيا لتصبح كائن رهدان سياسي، أو ما يعبر عنه بالرهدان الخامل ولا ينفع العقار…

Exit mobile version