الغنوشي ورئاسيات 2019
فوزي الطلحاوي
إنّ المتابع للحراك السياسي في تونس هذه الأيّام ليلحظ بيسر تسارعا في الاشتباك السياسيّ المفتعل والمقصود بين السياسيين، وقد بلغ حدّا خطرا، تُوظّف فيه أعرق منظمة وطنية الاتحاد العام التونسيّ للشّغل، وإلا بم نفسّر تحدّي قادة المنظمة الشغيلة لكلّ اعراف العمل المنظّماتيّ والنّقابيّ والقوانين التونسيّة والأعراف الديبلوماسيّة التونسية ولإرادة قسم هامّ من منخرطيها والوقوف مع جهة ضدّ جهة في الصّراع القائم في سوريا، مهما كان موقفنا منه وتقييمنا له؟
في إطار هذه الحركيّة، كانت شهادة الرئيس السابق الدكتور محمد منصف المرزوقي على العصر، وفيها أيضا يأتي اللّقاء الخاصّ الذي اجرته قناة نسمة مع زعيم حركة النّهضة الأستاذ راشد الغنوشي.
وتقتضي القراءة السياسيّة للقاء الإعلاميّ تناوله في محورين رئيسين، أما المحور الأوّل فنتناوله من خلال طرح السؤالين المواليين: ما الرّسائل التي وجّهها الغنوشي في ذلك اللقاء ؟ ومن المستهدف من وراء طرحها ؟ وأمّا المحور الثاني: فمضمونه حدود طرح قضيّة نوايا ترشّح زعيم حركة النهضة لرئاسيات 2019 من عدمه ؟
• أوّلا : رسائل الغنّوشي السياسيّة والجهاتُ المُرسلةُ إليها :
أ. اعتبر انّ أهمّ رسالة وجّهت في ذلك اللقاء كانت رسائل طمأنة إلى الجوار والإقليم الضّاغطين مفادها ما هو مُكرّر في خطاب زعامات النّهضة وقيادييها وفي أدبياتها من أنّ الحركة ومنذ مؤتمرها العاشر قد حسمت أمرها وقطعت رمزيّا ومعنويّا مع كلّ ما يشير صراحة او مواربة إلى مقولات “الإسلام السياسيّ” وانخرطت في مسار الاحزاب الديمقراطيّة “وبأنّ ابناءها، اليوم، “مواطنون مسلمون تونسيون ديمقراطيون” منخرطون في شانهم الوطنيّ والعربيّ والإسلاميّ ولا علاقة لهم بتصنيفات المنع والترهيب والإقصاء التي تطال بعض الأحزاب ذات المرجعيات الدينية سلفية كانت أم إخوانيّة ام شيعيّة…
ب. الرسالة الثانية : مزيد تجذير حركة النهضة السياسي الداخلي والخارجيّ، فبعد جهود مضنية لقادتها داخليا وخارجيّا وحضورهم اللافت في المناسبات السياسية الحكومية والحزبية ومشاركتهم في المنابر الثقافية والإعلاميّة رأوا أنّ السياق مناسب لبعثُ رسائل بأنّ الحزب أضحى رقما اساسيّا في رسم السياسات في تونس وأنّه اضحى يتمتّع بإشعاع في محيطه العربيّ والإقليميّ وانّ زعيمه يمكن ان يلعب دور الوسيط في قضاياه بما أضحى يحظى به من مكانة اعتباريّة عربيّا وإسلاميّا، وخاصّة ملفّ المصالحة الليبيّة.
ج. الرّسالة الثالثة : موجّهة للرّاي العام الدّاخليّ مفادها أنّ ورقة “رُهابِ / فوبيا” النّهضة لم تعد مجدية في تعامل الفاعلين السياسيين والإعلاميين مع الحركة ولا مقبولة لأنّ الحركة خلال مسيرتها في الحكم وخارجه منذ الثورة إلى اليوم قد أثبتت تونسيتها أكثر حتّى ممّن طلب منها يوما ما بضرورة التّونسة.
د. الرّسالة الرّابعة : موجّهة لرئاستي الجمهوريّة والحكومة بضرورة الإسراع بإجراء الانتخابات البلديّة، واهمّ رسالة وردت مبطّنة يبدو أنّ الشاهد قد تلقّفها، وهي أنّه يمكن أن يكون المرشّح التوافقيّ لرئاسيات 2019…
ه. الرّسالة الخامسة موجّهة للأحزاب السياسيّة ومضمونها أنّ النّهضة قد ربطت رقبتها بقضايا الوطن كما ربط زعيمها رقبته بربطة العنق “الحداثيّة”، وأنّ المنافسة السياسيّة والانتخابيّة المستقبليّة يجب أن تتأسّس على البرامج والأهداف لا على مقولات الايديولوجيّا المستهلكة والمستنفدة والتي باتت رجعيّة ومن الماضي.
و. الرسالة السادسة : موجهة للمنظّمات الوطنيّة ومفادها ضرورة البحث عن مخارج من الأزمة الاقتصاديّة الخانقة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المؤسّسات العامّة والخاصّة.
ز. الرسالة السابعة : موجهة لقيادات حزبه ومنخرطيه، وفيها تذكير بخطورة المرحلة التي تمرّ بها البلاد وبضرورة التكاتف اكثر في خدمة الوطن والحزب وانّ قيادة الحركة ومؤسّساتها مستقرّة وأقوى من ذي قبل، ولكن سؤال الخلافة داخل الحركة قد زادت إلحاحيته، وأنّ تثبيت مؤسساتها ضروريّة لإدارة الحوار داخلها ولحسم الخلافات الطارئة عليها.
2. ترشح الغنوشي لرئاسيات 2019 : الإمكان والحدود :
طرح قضيّة ترشّح الغنوشي إلى انتخابات 2019 لا يبدو محسوما داخل مؤسسات الحركة، فهي الجهة التي تحدّد ترشحه من عدمه وهي الجهة التي ستقدّر موازين الربح والخسارة ولا دخل لأيّ جهة أخرى في الاختيار والقرار، ولكن من خلال السياق قد لا نراه طرحا جديّا للعوامل الموالية :
أ. لعلّ التلويح بترشح الغنوشي إلى الرئاسيات رسالة إلى الشّركاء في الحكم وخاصة نداء تونس مؤدّاها انّ الشيخ قد وضع ربطة العنق وجهز للرئاسة وما عليكم إلا التوافق معه على مرشح توافقيّ يصلح للمرحلة الانتقالية الثانية، خاصّة وأنّ راشدا أدرى النّاس أنّه لن يكون محلّ إجماع وترحيب من شقّ هامّ من التونسيين، وهو من يسعى إلى تخفيف حدّة القطبيّة والاستقطاب في البلاد.
ب. ما يهمّ الغنوشي وحركته في الوقت الرّاهن التوافق والخروج بالبلاد من مرحلة الانتقال الديمقراطيّ بأخفّ الأضرار، وهذا جليّ في خطاب الحركة وزعيمها.
ج. حاجة الحركة إلى زعيمها مازالت ملحّة خاصّة وأنّ مؤسساتها الديمقراطيّة مازال عودها طريّا ومازالت بحاحة إلى زعيمها، وما شهده حزبا المؤتمر ونداء تونس بعد صعود رئيسيهما إلى قصر قرطاج من تفكّك درس حاضر بقوّة في ذهن الزّعيم وفي أذهان قيادة الحركة ومنخرطيها.
د. لا يمكن ان يقدم الغنوشي على أخذ قرار ترشحه دون أن يعرض الأمر على شريكه في الحكم الباجي قائد السبسي.
ه. مشاغل الغنوشي واهتماماته موجهة إلى تطبيع صورة حزبه وتوسيع دائرة مقبوليته تونسيّا وعربيّا وإقليميّا، ليكون من الأحزاب الرائدة في العالم العربي ذات المرجعيّة الإسلاميّة التي تنجح في انخراطها في الديمقراطيّة.
و. مرجعية الشيخ واهتماماته وموقعه الاعتباري فيلسوفا ومفكرا إسلاميّا ومصلحا قد تحول دون ترشّحه.
ز. هل يسمح وضع الشيخ الصحّي بترشّحه لمنصب رئيس جمهوريّة ؟