نقابيون في حضرة الجزار
خليل كلاعي
طريف… ما يفعله الاتحاد العام التونسي للشغل وطريف خطاب قياداته التي انتبهت فجأة لضرورة دعم الشعب السوري… طريف أمرهم اذ تنادت القيادات وتداعت لتقديم واجب النصرة… فاتجهت مباشرة صوب النظام.
حسنا… يتشابه نظام البعث في سوريا ونظام التجمّع في تونس في أمور عدة فالنسخة الحالية من نظام البعث بشكلها الأسدي إصدار مُحيّنٌ من النسخة الحافظية وقد أكسبها هذا التحيين طرقا أكثر ابتكارا في البطش بالسوريين أما في الجانب التونسي فيبدو نظام التجمع هو الآخر نسخة محينة من سلفه البورقيبي وطبعا فقد جعل هذا الانتقال من الطور البورقيبي إلى الطور التجمّعي النظام أكثر ضراوة وقمعا ولنظام البعث كما لنظام التجمّع شبكة أمنية رهيبة تحصي على المواطنين أنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم وللنظامين سجون مهيبة تغتصب فيها النساء والرجال على حد سواء وتُهرس فيها الكرامة الآدمية وتطحن بل إن نظام البعث قد تفوق على نظام التجمّع اذ استحدث أفرانا في السجون ليتخلّص من الجثث التي أنهكها الجوع والتعذيب أما جثث المعتقلين التونسيين فهي قطعا أكثر حظا إذ (على الأقل) دفنت إما في خرسانة الجسور أو في مقابر جماعية…
للنظامان كذلك شبكة من كبار اللصوص وشبكات أخرى كثيرة من صغارها وللنظامان انجازات راسخة ومشهودة في التزييف والكذب والافتراء ولهما كذلك انتخابات الـ 99 بالمائة ولهما أيضا جوقة مطبلين ومناشدين وكتبة وصحفيون وإعلاميون وأيضا… قناصة وقتلة وكثير من الرصاص وزعه النظامان بشكل عادل على صدور الثائرين وجماجمهم بيد أن نظام الأسد كان ولا شك أكثر تفوقا وتميزا… في الدموية طبعا حين أضاف إلى الرصاص البراميل والغازات السامة والكيمياوي.
لم يذهب وفد اتحاد الشغل لمساندة الشعب السوري حين جاعت مضايا ولا حين ضربت خان شيخون ولا حين قُتل أطفال غوطة دمشق خنقا لم يذهب النقابيون حين جاءت أنباء صيدنايا ولا حين سربت صور الموتى جوعا ذات 2013… لم يذهب النقابيون في تلك الأثناء ولما يذهبون أصلا والحالُ أن الثائرين في أغلبهم لا يقاسمونهم الهوى ولا يشتركون معهم في الايديولوجيا
والإيديولوجيا هداك الله عروض الخيمة النقابية وحولها تدور رحى المواقف والقناعات وربما (والعهدة على من روى) هي من دجنت الاتحاد وطوعته طوال الحقبة النوفمبرية وربما هي نفسها من جعلت بعضا من النقابيين الراسخين يقبلون هدايا النظام وإغراءاته وربما هي أيضا من بنت لهم قصورا وشيدت لهم أعمالا وربما هي الأخرى التي أطرت وغطت وافتعلت ألاف الإضرابات والاعتصامات حين كانت البلاد في أمس الحاجة الى الاستقرار وعلى ما يبدو فإنها هي نفسها من ذهبت بهم للقاء جزار جعل من اسم سوريا مرادفا للدماء والأشلاء.
عجيبة هذه الايديولوجيا وغريبة أفاعيلها حين تنقلنا من فريق الدفاع عن المقموعين والمستضعفين والكادحين إلى فريق القتلة والجزارين… عجيبة فعلا !