أحمد القاري
مررت بعد المغرب، وأنا عائد من مسجد ستراسبورغ الكبير، المحروم من المنارة حتى الآن، بإشارة إلى “ساحة كليبير”. الإسم ليس غريبا. بحثت في ويكيبيديا فإذا هو الجنرال كليبير قائد الحملة الفرنسية على مصر، والذي قتل على يد سليمان الحلبي سنة 1800.
كليبير إبن ستراسبورغ. وهي كسائر المدن الأوربية بارة بأبنائها مهما فعلوا. استقبلت المدينة جثمان الجنرال سنوات طويلة بعد موته، ودفنته في المقبرة الحربية بتكريم كبير.
أطلق اسم كليبير على واحدة من أهم ساحات المدينة ونصب له تمثال معدني كبير وسطها. وبسبب ذلك سمي عدد كبير من المقاهي والمطاعم والفنادق القريبة على الرجل أو على الساحة التي تحمل اسمه. وتوجد في ستراسبورغ إعدادية وثانوية تحملان اسم الجنرال.
سيرة الجنرال كما دونها الفرنسيون تقول إنه كان رجلا دمويا. فقد قمع حركات تمرد أثناء الثورة الفرنسية وبعدها وقتل الآلاف من الرجال والنساء والأطفال. وفي مصر أمعن في القتل ودنس المساجد وقتل الأسرى وعاث في البلاد فسادا قبل أن تنهار الحملة الفرنسية بسبب التدخل الإنجليزي.
وقد دون الفرنسيون طريقة قتل سليمان الحلبي، الذي تمكن من الوصول إلى الجنرال وطعنه. فقد أحرقوا يديه ثم صلبوه على الخازوق. ويصف نص تاريخي فرنسي مشهد القتل البشع بتفاصيله. ويأسف لأن سليمان مات بعد أربع ساعات لأن أحد الجنود سقاه ماء، “فقد كان يمكن أن يتعذب لوقت أطول”.
الدرس:
لا يوجد “تاريخ عالمي” وإنما يوجد تاريخ محلي. كل مدينة في الغرب تحتفل بتاريخها وأبطالها مهما كانوا متوحشين ومهما أجرموا باستثناءات قليلة (الحلفاء منعوا الاحتفاء بالنازيين والفاشيين حتى الآن، رسميا على الأقل).
حين رأيت احتفاء رومانيا بدراكولا والتماسهم العذر لإجرامه الذي فاق الخيال تأكد عندي أن هذا السلوك متأصل في العقلية الأوربية.
لا تنتظر أن يصرخ سكان ستراسبورغ قائلين: لا يجوز الاحتفاء بكليبير. أو “هذا تاريخ دموي يجب طيه والاعتذار عنه”.