عبد اللّطيف درباله
من الكذبات الرخيصة والفاضحة التي يستعملها رئيس الجمهورية المفدّى الباجي قايد السبسي وبقيّة أنصار قانون “مصالحة الفاسدين” في ما يخصّ المتورّطين من الوزراء والسفراء وكتاب الدولة والمديرين والمسؤولين في الوزارات والإدارات.. أنّ هؤلاء أمضوا على الصفقات والتراخيص والامتيازات غير القانونية لعائلة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وزوجته ليلى وأبنائه وأصهاره وأفراد الحاشية والوزراء ورجال الأعمال المقرّبين منهم.. تنفيذا للتعليمات فقط.. وأنّهم لم يجنوا شيئا لأنفسهم.. ولا قبضوا أموالا أو رشوات أو مكافآت ماليّة في جيوبهم.. وبالتالي فهم نفّذوا الأوامر ولم ينتفعوا لخاصّة أنفسهم..
وهذا غير صحيح..
في ما عدا القلّة.. الحقيقة أنّ نسبة هامّة (على الأقلّ) من هؤلاء المسؤولين الحكوميّين والإداريّين.. وإن لم يحصلوا على أموال.. فإنّهم في الواقع حصلوا على مناصب ومسؤوليات وترقيات وامتيازات عينيّة مثل السيارات الإدارية والزيادة في الأجور والرحلات ونحوه..
ومن الطبيعي أنّه في دولة مثل تونس لم يكن موظفا أو مديرا أو كاتب دولة أو وزيرا يجرأ هلى طلب رشوة أو مقابل مالي لمنح ترخيص أو امتياز أو صفقة أو إمضاء لأحد أفراد العائلة أو الحاشية.. لكنّه في المقابل كان يحرص على تنفيذ الأوامر والطلبات حتّى غير القانونية منها ليظهر لأسياده أنّه “خدوم” ويمكن التعويل عليه.. وليرضوا عنه.. وليقيم علاقات مع أهل السلطة تسمح له بالترقّي.. وهكذا يصبح المعتمد واليا.. ويصبح الوالي وزيرا.. ويصبح المدير مديرا عاما.. ويصير المدير العام كاتب دولة أو وزيرا.. إلخ..
وحتّى الوزراء كانوا على استعداد لإمضاء وتمرير جميع الموبقات لضمان البقاء في الوزارة.. أو للترقّي لوزارات أهمّ.. أو للوصول إلى رتبة وزير مستشار لدى رئيس الجمهورية.. فيشتغل في قصر الرئاسة.. ويصبح قريبا من سيّده بن علي.. وتفتح أمامه أبواب الدولة بمجرّد هاتف من قصر قرطاج لأيّ مسؤول بالبلاد..
والكثير من الوزراء أصبحوا وزراء فقط بفضل الخدمات التي قدّموها للعائلة الحاكمة.. وبفضل الفساد الذي انخرطوا فيه بحكم مناصبهم.. بعد أن كانوا في رتب أقلّ.. ومناصب أصغر..
والكثير من الوزراء بقوا قي الوزارة لسنين طويلة في عهد بن علي فقط لأنّهم كانوا يستمرّون في تسهيل فساد العائلة ونهب أموال الدولة والشعب.. بدون أي تردّد.. وبرغم الموانع القانونية والأخلاقيّة.. وهم يعرفون أنّ البقاء في منصب الوزير هو المقابل الذي يقبضونه..
وكلّ ذلك يعتبر ويصنّف كرشوة عينيّة أو وظيفيّة أو اعتباريّة ومعنويّة.. فالرشوة ليست ماليّة فقط..
هؤلاء.. الذين يريد الباجي والشاهد ومن معهم تمرير القانون المسمّى “المصالحة الإداريّة” لفائدتهم الآن.. بدعوى أنّهم غير متورّطين في قبض رشوات ماديّة.. قبضوا في الحقيقة الرشوة التي اختاروها وهي المنصب والمسؤولية والوزارة.. وتسبّبوا بأطماععم في السلطة وفي المناصب في خسارة الدولة والشعب لعشرات آلاف المليارات من الملّيمات طوال عقود.. وساعدوا الفاسدين على نهب البلاد وغرقها في الديون المكلفة..
واليوم يريد رئيس الجمهوريّة السبسي ورئيس الحكومة الشاهد وأحزاب الحكم.. بجرّة قلم.. أن يمكّنوهم من عفو عامّ وشامل عن جميع جرائمهم.. دون حتّى أن يكشفوها ويفضحوها ويصارحوا الشعب بها..!!
والأدهى والأمرّ من ذلك.. فإنّهم يريدون من وراء “المصالحة الإدارية” المفبركة.. وباسم براءتهم المزعومة وأنّهم “ضحايا” تنفيذهم للأوامر.. أن يبقوهم أيضا في مناصبهم وفي المسؤوليات في الوزارات والإدارات.. دون أن يقولوا لنا ما هو الضمان لعدم إمضائهم على قرارات تسهيل الفساد مرّة أخرى مستقبلا باسم “تنفيذ الأوامر” من جديد.. باعتبارهم “متعوّدة ديما” على رأي عادل أمام في مسرحيّته..!!!