عبد القادر عبار
ما زلت أتذكر ذلك العنوان الاستفهامي “لماذا نحن متخلفون ؟”.. الذي صدمنا جميعا منذ (37) عاما تقريبا والذي كانت تتباهى به جريدة “الرأي”، وكان بإمضاء دكتور طبيب كان للتوّ قد حطّ رحاله في تونس بعد رجوعه النهائي من فرنسا في بداية الثمانينات.. وكنا ونحن نتابع حلقات المقال التي كانت تنشر تباعا على صفحات تلك الجريدة نتساءل “من هذا الكاتب والمفكر والمثقف الجريء الذي يطرح مثل هذا السؤال الاستفزازي الذي لم نتعوّده.. ويتّهمنا بالتخلف ويصنفنا ضمن المتخلفين.؟
كان ذلك المقال المتسلسل هو بداية سماع وتعرّف التونسيين على الدكتور المرزوقي الذي رجع إلى تونس ليستقر في وطنه وليساهم في علاج المرضى وفحص أخلاق المجتمع.. ولا بد من التنويه بأن الرجل قدم وخصص عيادات شعبية مجانية أسبوعية في تلك الفترة.. كانت الأولى من نوعها في البلاد.. تذكر له ويشكر عليها.. كما أنه قد نال بعض الجوائز الوطنية والمغاربية في اختصاصه الطبي.
ثم كتب سلسلة أخرى بعنوان “موت الطبيب أو الطبيب والموت” في نفس الجريدة على صفحتها الأخيرة وعالج فيها قضية الموت وموقف الطبيب الذي كان يعاين الموت ويعاشر الموتى في كل حين وكانت مشاهد واقعية مؤثرة تابعناها بشغف لما فيها من جديد وجدية وابداع.
ثم اخرج كتابه “في سجن العقل” وكانت صورة الغلاف فاضحة لمحتوى ورسالة الكتاب فالصورة تبرز وجهين / عقلين / فكريْن على طرفيْ نقيض.. أحدهما داخل المرآة وهو لعقل متديّن معمّم مغلق.. يقابله عقل متحرر عصري.
ثم دارت الأيام.. ومرت الأيام.. كما غنت كوكب الشرق المتخلف.. وجاءت الثورة فمنحت طبيب الموت وخبير التخلف ومفكر التحرر.. أعلى مراتبها السياسية.. فتبَرْنَس لها واستبدل ربطة العنق الرئاسية ببرنوس مرزوقي من وبر الإبل وهو أغلاها ثمنا وأرفهها لباسا.. ليؤصّلها ويعطيها نكهة جنوبية صحراوية.. وقلَب بروتوكولها القرطاجي فأزاح كل حاجز بين ردهات القصر والفئات الشعبية.. وهذه تذكر فتشكر.. وصال في فترته وجال بنية حسنة -والله حسيبه- وترك بصمته بصرف النظر عن صوابها من خطئها.
حتى إذا جاء وقت الشهادة على عصره، وقصره، وأهله.. واختلى به نجم الجزيرة وخبير الأسئلة المحرجة ومثوّر الذاكرة.. “أحمد منصور”.. في محرابه الإعلامي المشهور “شاهد على العصر” رأينا “الطبيب” يجرح ويجرّح ويؤلم ورأينا “السياسي” غير ديبلوماسي في تناوله وغير فطن في شهادته ورأينا “المفكر والمثقف” متخلفا في أدائه.. وهو ما أثار سخطا ولغطا حرّك غرائز خصومه… وكأنه يذكّرنا بسؤاله القديم “لماذا نحن متخلفون ؟؟”..
مرزوقيّات: ثلاثيّة الطبيب والمفكّر والسياسي الشاهد.. ؟
