إمرأة النهضويين
سامي براهم
لاحظ الكثير من المتابعين أنّ مداخلات نوّاب كتلة النهضة بخصوص القانون المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ النّساء أجمعت على مناهضة العنف وسوء المعاملة والانتهاكات التي يتعرّض لها النّساء، كان خطابهم “نوابا ونائبات” صريحا وحماسيا ورومنسيّا وشاعريّا أحيانا، ممّا حدا بالعديد إلى اعتبار ذلك ضربا من التكلّف والمزايدة أو التبرّؤ المضمر من تهمة معاداة حقوق المرأة ونزّل آخرون ذلك الخطاب في سياق الحملة الانتخابية التي تعتبر فيها قضيّة المرأة نقطة ضعف الإسلاميين عموما والنهضويين على وجه الخصوص، ورأى آخرون أنّ هذا الخطاب دون معنى طالما لم يقم على خلفية معرفية واضحة وحاسمة تقوم على مراجعة التراث الفقهي وتأويل النصوص الدينية وتأصيل الحقوق والمساواة في الثقافة الإسلاميّة التي بقيت محافظة في هذا الموضوع.
في تقديري المسألة أبسط من ذلك وإن كانت أعمق وجدانا وذاكرة، فهي أبعد من السياسة والفقه والنصوص وتأويلاتها، هي ضرب من التكريم والوفاء لنساء النّهضة اللاتي خضن ملاحم وبطولات صامتة دون ضجيج أو إشهار، لا أقصد بنساء النّهضة المنتميات العضويات لحركة النّهضة اللاتي انخرطن في مشروعها الحزبي والسياسي ودفعن الضريبة قاسية ولكن عن اقتناع واستعداد نفسي وذهني لمآلات اختيارهنّ، بل أقصد أولائك الأمّهات والأخوات والزوجات والبنات وغيرهنّ ممّن وجدن أنفسهنّ أمام الأمر الواقع في مواجهة مآلات اختيار ذويهنّ من المنتمين والمنتميات لحزب النّهضة دون أن تكون لهنّ علاقة بهذا الاختيار بل دون أن يستشرن فيه أو يُهيّأن له، نزل عليهنّ البلاء مثل الطامّة الكبرى فلم يتبرّأن من ذويهنّ وكنّ أفضل سند لهم وخضن بصمت بطوليّ أكبر معارك الصّمود الإنساني من حيث امتدادها زمانا ومكانا ومن حيث شدّتها وقسوتها ومن حيث قلّة النّصير وغياب العشير.
سنوات من التشرّد على أبواب السّجون ومخافر الشرطة وأبواب المصالح الأمنية، دفعن الضّريبة قاسية بأشكال وألوان من العذاب والقمع تفنّن الاستبداد في كيلها وإخضاع ضحاياه لها، مسارات حياة تغيّرت وأطفال ولدوا ونشأوا وترعرعوا في كنف أمّهات في غياب الآباء، أخريات أكرهن على الطلاق بعضهنّ أبين وقليلات اخترن ذلك كرها لإنقاذ العائلة، وأخريات كانت ضريبتهنّ حرمان من نعمة الأمومة في انتظار زوج أو خطيب أو حبيب، قصص من الوفاء لم تُروى، دون الحديث عن التضييق والمحاصرة والملاحقة وقطع الأرزاق والإهانات والتحرّش والإيقاف والاعتقال…
هؤلاء هنّ العقل الباطن والضّمير الحيّ والهُوَ الخفيّ الذي يقود مداخلات نوّاب كتلة النهضة فيرفعون سقف الخطاب المحتفي بالحقوق والكرامة والحرمة الجسديّة غير عابئين بإحراجات النّصوص وتأويلاتها أو بمدى تقبّل هذا الخطاب “النسوي بالقوّة” من طرف ذوي المنزع المحافظ.
يمكن أن يفهم من هذا التحليل إن صحّ أنّ تطوّر الوعي ينشأ داخل حراك الواقع وفي خضمّ النضالات اليوميّة لا وسط المكتبات المغلقة وابراج العارفين.