صالح التيزاوي
أرضنا تنقص “عاما بعد عام”، ومقدّساتنا تنتهك، فيما أصحاب “المعالي” نيام. منشغلون بمعاركهم الطّفوليّة التي لاتنتهي، حتّى انقطع الرّجاء فيهم، وانقطع الأمل في انصلاح أحوالهم.
لقد تسلّل الصهاينة إلى فلسطين في العام 1948 تحت غطاء بريطانيّ في غفلة من العرب المنشغلين بمعركة الإنفصال عن الدولة العثمانيّة وبناء الجامعة العربيّة، قطعا للطريق على فكرة الجامعة الإسلاميّة التي نادى بها جمال الدين الأفغاني. لقد أوهمتهم الدّول الإستعماريّة بأنّ مصلحتهم في الإنفصال عن تركيا. فكانوا كمن يركض وراء السّراب يحسبه ماءا. ثمّ حلّت نكبة حزيران 1967 التي يسمّيها القومجيون العرب “نكسة”، للتّخفيف من وقع الهزيمة ومن حجم المسؤوليّة على النّظام العروبي في مصر بقيادة جمال عبد الناصر الذي شغل نفسه طيلة حكمه الفردي والمطلق (شأنه في ذلك شأن كل الأنظمة القطريّة الرّجعيّة) بخنق الحرّيات والسّيطرة على المجتمع وعلى الإعلام بحجّة “رصّ الصّفوف” استعدادا “لمعركة التّحرير” التي ستلقي بالعدوّ الصّهيوني في البحر، كما كانت تثرثر بذلك إذاعة “صوت العرب” وستحرّر الأراضي العربيّة وتضمن للفلسطنيين حقّ العودة إلى بلداتهم وقراهم وبيوتهم التي شرّدهم منها الصهاينة.
ولم يفق الزّعيم القومي من سكرته إلا على وقع أزيز الطّائرات وهي تدكّ المطارات الحربيّة المصريّة والطّائرات الرّابضة فيها، والتي لم يكتب لها أن تقلع أبدا. فكانت خسارة الأمّة خسارتان: خسارة الحرّيّة والحرب معا. ليس مستغربا أن يخسر النظام القومي في مصر المعركة لأنّه دخلها “بمنطق الطّبلة والرّبابة” و”بالعنتريّات التي ما قتلت ذبابة” على حدّ تعبير نزار قبّاني. في سويعات قليلة تبخّر حلم العودة الذي ألهب به عبد الناصر حماسة الجماهير العربيّة واحترقت ترسانة الأسلحة التّي كدّسها “الزّعيم” من قوت الشّعب المصري. ولم تنفعه صداقته للرّوس، وبالمحصّلة “لا نحن عدنا ولا هم يحزنون”. وكلّ شيء “كان صرحا من خيال فهوى”. بل ابتلع الصهاينة مزيدا من الأراضي العربية ومنذ ذلك اليوم والمآسي تتابع على الأمّة من أجل حملها على الإستسلام المخزي لغطرسة الصّهاينة، فكان ما يسمّى بمسار التّسوية الذي أدّى إلى مزيد من الإذلال: حصار غزّة وحربان متتاليتان على القطاع. واليوم في خطوة غير مسبوقة يغلق
الصهاينة المسجد الأقصى في وجه المتعبّدين، مستغلّين حالة التّجزئة والتّشرذم والإنحدار غير المسبوق في العالم العربي.
فهل كانت كلمة السّرّ في “أزمة الخليج” وفي تصريح السّفير السّعودي بالجزائر، حيث اعتبر حماس حركة إرهابيّة، تناغما مع رغبات الكيان الصهيوني. يدرك الصّهاينة جيّدا ماذا تعني
الحرّيّة لذلك استهدفوا قيامها في العالم العربي وحاربوها من خلال دعمهم للأنظمة الإستبداديّة، كما أدركوا لاحقا خطورة الثّورات العربيّة على مستقبلهم وعلى مستقبل عملائهم فلم يدّخروا جهدا في إسناد الثّورة المضادّة بزعامة آل سعود وآل زايد والنّظام الإنقلابي في مصر والمنشقّ خليفة حفتر في ليبيا بهدف تخريب الثّورات العربية ومنعها من تحقيق أهدافها في الحرّية والكرامة لأنّهما شرطان اساسيان لكسب معركة التّحرير. فلن تتحرّر الأرض ما لم يتحرّر الإنسان.