ثقافة بائسة من زمان زمان… ومن طويل طويل !

إسماعيل بوسروال

المشهد الأول : القيروان

كنت في القيروان في بداية السبعينات وكانت تتوسطها ساحة فسيحة قبالة باب الشهداء (الجلادين سابقا) التي تقرر أن تقام فيها (دار للثقافة) فكانت بناية ضخمة فخمة انيقة في ذلك العصر متفردة في المكان قبل أن تنشأ قربها إحياء تجارية ومالية وخدمية… لما دشنها الوزير الأول آنذاك المرحوم الهادي نويرة القوى خطابا “اقتصاديا” لا ثقافيا وعبر فيه عن امتعاضه من رصد أموال طائلة لإنجاز مركب ثقافي ودعا إلى الاستثمار في المشاريع المنتجة مؤكدا أن الثقافة لا تتطلب بنايات ضخمة ولا تستدعي رصد ميزانية قد تكون قطاعات أخرى اولى منها كالصناعة والفلاحة والصحة والتعليم.

المشهد الثاني : في القصرين

كنت في القصرين في بداية التسعينات خلال عملي متفقدا المدارس الابتدائية وكان مجال عملي يشمل معتمديات سبيبة وجدليان والعيون، لم تكن لي معرفة سابقة بتفاصيل الجهة وان كانت دار الثقافة في سبيبة ضخمة وفخمة فإن ما كان عجيبا هو أنني ما ظهرت لي (العيون) أثناء اول زيارة لها حتى برزت بناية في غاية من الروعة من حيث الشكل الهندسي والإتقان المعماري فلما مررت أمامها أدركت انها “المركب الثقافي”، كانت أكثر فخامة من المعتمدية ومركز الحرس الوطني… لا يتوفر في القرية التي أصبحت اليوم مدينة اي إدارة تؤدي خدمات للمواطنين فكلها متمركزة في مقر الولاية كما لا تتوفر في العيون في ذلك الحين لا مؤسسات اقتصادية ولا صناعية… ويمكن القول أن “نظرية” المرحوم الهادي نويرة تم تجاهلها.

المشهد الثالث : بعد ثورة الحرية والكرامة

أثر انتخابات 2014 وتصويت الجنوب للنهضة قال بعض “السياسيين والمثقفين” ان الدولة لم تستثمر في الثقافة في الجنوب فبقي “محافظا”.

المشهد الرابع : قرطاج

في 2017 تستمر رؤية الانتلجنسيا الحاكمة المتحكمة في مصير التونسيين -رغما عنهم- في فرض رؤية ثقافية قائمة على فساد في الذوق وقلة “تربية” وتشجيع على الانحراف والفساد وهو نهج دأب التخطيط الثقافي منذ التحول اللامبارك بل منذ بدء دولة الاستقلال… ثقافة بائسة بائدة… وهذا ليس جديدا فالأمر لم يتغير… انها ثقافة بائسة من زمان زمان ومن طويل طويل… وهذا العنوان مقتبس من مقطع لقصيدة لنزار قباني اهديه للتافهين في الوسط الثقافي والفني عسى ان يغادروا يوما المربع الذي سكنوا أنفسهم فيه.

هواكِ مُذْ كنتِ صُغْرى
كصفحة الإنجيلِ
ومِنْ زَمَانٍ .. زَمَانٍ
ومِنْ طويلٍ .. طويلِ ..
وكنتُ أغمسُ وجهي
في شَعْرِكِ المْجدُولِ
في شَكْلِ وجهكِ أَقْرَا
شكلَ الإلهِ الجميلِ.

Exit mobile version