الدرس التركي العظيم أو… ليلة الانقلاب في الوعي الشعبي
ما حصل بتركيا ليلة 15 جويلية 2016 كان درسا عظيما للسياسيين وللشعوب وخاصة في البلاد العربية.
لقد ظل الجيش في تركيا وطيلة عقود حاضرا في المشهد التركي وفي الصفوف الأمامية حتى وإن بدا في الظاهر أن الحكم مدني وعلماني، ولا تختلف مكانة الجيش التركي عن غيره من جيوش عدة بلدان كالباكستان مثلا أو مصر أو الجزائر، وربما يعود السبب إلى حجم الوزن الاستراتيجي لتلك الدول وحجم ما يتهددها من مخاطر خارجية، غير أن الأمر انتهى إلى تثبيت حقيقة لم يعد ممكنا التحرر منها في الواقع وفي وعي وهي تقديم سلطة الجيش عن سلطة الشعب.
ما حصل في تركيا من محاولة انقلابية كان يمكن أن تكون له تداعيات سريعة وكارثية على ما تبقى من الربيع العربي وعلى المنطقة كلها وكان يمكن وهو الأخطر على الإطلاق أن يُحدث حالةً من اليأس التام من كل أمل في نجاح أي تجربة ديمقراطية في بلاد المسلمين بعد أن أصبح المثالين التركي والتونسي يُغريان بالاحتذاء ويزرعان الأمل في كون الاستبداد ليس قضاء وقدرا على شعوبنا وأمتنا.
الدروس المستخلصة من تلك المحاولة الانقلابية الفاشلة عديدة وبليغة بالنسبة لنا في البلاد العربية تحديدا ويمكن تلخيصها في الاستنتاجات التالية:
1. أن “سلطة الجيش” لا تتمكن من الدولة إلا إذا ما تمكنت من وعي الناس ومن جهازهم النفسي حين يتجردون من الإرادة ومن الوعي بعاني المواطنة ومعاني الديمقراطية والمدنية، وأن الشعوب المتحررة في وعيها وإرادتها لا يمكن بحال من الأحوال إخضاعها لإرادة انقلابية.
2. أن الشعوب التي تتشرب روح الديمقراطية والكرامة الإنسانية في ظل نظام سياسي وقيادة سياسية ذات صدقية عالية تترجمها المنجزات على الأرض، لا يمكنها التفريط في تلك المكتسبات ولا يمكنها القبول بانقلاب عسكري عن ذاك النظام وتلك القيادة مهما كانت التضحيات… رأينا جماهير الشباب والرجال والنساء يلبون وبسرعة فائقة نداء القائد أردغان ويخرجون للشوارع يتحدون إعلان العسكر حضر الجولان ويصعدون الدبابات يجردون الجنود الانقلابيين من سلاح هو سلاح الشعب ائتمنهم عليه لحمايته وحماية الوطن… تلك الجماهير أعطت درسا بليغا في الشجاعة والوطنية والوفاء وأثبتت حقيقة مفاجئة لكثير من المراقبين وهو أن الشعب التركي قد حصل له وبعد عقد ونصف من حكم حزب العدالة والتنمية انقلابٌ في وعيه فلم يعد الحذاءُ العسكري في تصوره أرفع من رأس المواطن ولم تعد الثكنات ورشات لإنتاج السياسيين ولم يعد الجنرالات رُسُلَ إنقاذ وطني… ويحق لنا هنا التساؤل حول الحالة المصرية.
3. أن روح الوطنية وثقافة الديمقراطية والمدنية لا يمكن أن تخترقها الأنانية الحزبية والنكاية السياسية، لقد أثبتت الأحزاب التركية على اختلافها مرجعياتها الإيديولوجية قَدْرًا عاليا من المسؤولية والوطنية والأخلاق السياسية فلم تنحزْ إلى الانقلابيين نكاية في حزب العدالة والتنمية ولم تُعلن نكاية في أردغان تصفية لحسابات سياسية وخلافات إيديولوجية ولم تتناقض مع نفسها كما هو الحال عند غيرها حين ترفع شعار الديمقراطية والمدنية ثم تنتصر للانقلابات حين تحصل ضد خصومها من شركاء الوطن.
4. المحاولة الانقلابية الفاشلة كشفت عن نفاق كثير من السياسيين من أدعياء التقدمية والحداثة حين باركوا المحاولة تلك، وكشفت أيضا عن نفاق الدول الغربية التي ليس لها حلفاء ولا أصدقاء ولا تطمئن لمن لهم رغبة في حرية القرار الوطني وإنما تتعامل مع الشعوب العربية على أنها حقول تجارب وتتعامل مع أنظمتنا على أنها أدواتٌ لتحقيق مصالحها هي ولتنفيذ توصياتها حين يُقحمونها في مساراتٍ واصطفافاتٍ عبثية.