عبد اللطيف علوي
جميعنا قرأنا التّدوينة الّتي نزّلها الدّكتور نور الدّين علوي في علاقة بمرض “كافون”، وكثيرون منّا صدموا لما ورد فيها من عبارات منفلتة تماما وغير واعية، وإحقاقا للحقّ، أنا كنت أحد أولئك، ولن أحاول في هذا النّصّ أن أبرّر شيئا، لكنّني مع ذلك لديّ رسالة، لا بدّ من تبليغها على وجه الدّقّة إلى كلّ من يرى نفسه معنيّا بها:
قسما بالله العظيم، لو كان لديّ شكّ واحد في المليون، أنّه يقصد فعلا ما كتب، لما ذكرت اسمه ثانية على لساني، ولما كلّفت نفسي عناء هذه الأسطر، وما أعرف أنّه سيليها من نيران صديقة وغير صديقة…
الأمور في ذهن المبدع لا تتمّ دائما بمثل ما يتخيّله الإنسان العاديّ، اللّغة الّتي نستعملها شَرَكٌ قاتل، أحيانا نقع فيه رغم حرصنا على استعمال كلمات متوازنة قدر ما أمكن… أحيانا تستولي علينا فكرة معيّنة، فنبالغ في استعمال العبارات والصّور الّتي تصبح في نظرنا أمرا ثانويّا، وهذا هو بالضّبط ما حدث مع تدوينة نور الدّين علوي…
الرّجل أراد أن يقول بكلّ بساطة، إنّه ساخط منتهى السّخط على تأثير كافون ومن مثله في أذواقنا وأبنائنا وثقافتنا عموما، فاستعمل أسلوبا صادما بغرض الاستفزاز، ولم يكن في الحقيقة يقصد شيئا ممّا حملته الكلمات، لأنّه إنسان، وأكثر إنسانيّة ونبلا من كلّ الّذين سحبوا خناجرهم اليوم ظانّين أنّه الذّبيحة الجاهزة.
لم يقل أحد إنّ المكتوب لا يستوجب التّوضيح وحتّى الاعتذار، لكن أن يتحوّل الأمر إلى تصفية معنويّة وتدمير لرجل من أبرز المثقفين والمبدعين وحملة هموم الثّورة وثقافة الثّورة، فهذا أمر أقبح بكثير ممّا كتبه العلويّ، لأنّه يشتمل على عنصر القصد، الأمر الّذي خلت منه التّدوينة، وبلا أيّ نقاش…
ربّما غلبه طبعه الصّحراويّ الجافّ، فلم يقوَ على الاعتذار ورفع الالتباس، ربّما أخذته العزّة وأمعن في الهروب إلى الأمام… تلك شخصيّته، ولكلّ منّا عيوب في شخصيّته… لكنّه أبعد بمليون سنة ضوئيّة عن أن يكون شامتا فعلا في مريض مهما كان اسمه…
الّذين لا يعرفونه قد نلتمس لهم عذرا، أنّهم لم يلمسوا عن قرب إنسانيّته ودفء مشاعره وعفويّته وجرأته في الكلام ونفسه البدويّة الطّيّبة الأصيلة، أمّا الّذين يعرفونه فقد وجدوا الفرصة سانحة لضرب عشرين عصفورا بحجر واحد…
يريدون أن يدمّروه هو شخصيّا، كمثقّف مناضل طالما سبّب لهم قروحا في المعدة، وحطّم أصنامهم وعرّى عوراتهم القبيحة وألهب السّياط في ظهور الفاسدين والحاقدين والكذّابين منهم…
بعض الكلاب وجدتها أيضا فرصة لتطعن في المرزوقي وفي الحراك (ولا أعرف هنا ما دخل المرزوقي والحراك)، وهذا يبيّن بالكاشف أنّ هدفهم من وراء هذه الحملة المسعورة، هو تصفية حساباتهم المريضة المزمنة، وأنّ كافون ليس في هذا الموضوع سوى مطيّة للرّكوب…
الّذين ينعتونه بالدّوعشة، نقول لهم : تونس صغيرة، وجميعنا نعرف بعضنا، ومن لم ير زيدا فقد سمع عنه… العاهرة لا تحاضر علينا في الشّرف… عندما كان نور الدّين علوي يبكي كلّ شهيد يسقط في هذا الوطن، كنتم تهلّلون للمذابح في مصر وسوريا وليبيا وتدعون إلى حمّام من الدّم كي تخلو لكم البلاد بما فيها…
أمّا الصّادقون فعلا، الّذين صدمتهم تلك التّدوينة مثلما صدمتني، فهؤلاء فقط أقول لهم: إنّي أتفهّم فعلا ردود أفعالكم، لكنّكم لم تلتقطوا من الصّورة إلاّ الظّاهر… والله على ما أقول شهيد.
نور الدّين علوي منّا، ننقده ونلومه ونقوّم اعوجاجه، لكنّنا لن نتركه أبدا للكلاب تنهشه وتمثّل بجثّته، ولن تفرحوا بذلك اليوم الّذي يخلو لكم فيه وجه أبيكم.