عبد الرزاق الحاج مسعود
مرّة قال يوسف إدريس القصّاص الفذّ أن كلّ الحريات المتوفرة في الوطن العربي لا تكفي كاتبا واحدا.
بعده، مرّ زمن طويل فوق رؤوس العرب ولم يزد نصيبهم من الحرية.
لماذا لا ينتج عقل العرب وخيالهم فكرة الحرية؟
وهل يمكن أن نتذوّق يوما “سعادة الحرية”، ولو كانت نافذة على العدم ؟
اكتشف العرب فكرة الحرية عبر الاستعمار، لذلك ظلّ تعاملهم معها تعاملا انفصاميا مرضيا حادّا:
قبل صيحة إدريس اليائسة، كان العرب المتوقّفون عن الحركة والتفكير قد “صدموا” (مع حملة نابليون على مصر) حين اكتشفوا فداحة تخلّفهم مقابل قوّة الغرب وتقدّمه السياسي والاجتماعي والعلمي وتمتّع مواطنيه بحريات ليبرالية واسعة.
ثمّ وقع استعمار العرب، وفي “كنف” الاستعمار، تعايش العرب المستعمَرون بقهر وغصّة مع المستعمِر المتقدّم والمتمتع بـ “حقوق الإنسان والمواطن” التي جاءت بها الثورة الفرنسية والعقلانية الغربية.
وبعد بعض التمارين النخبوية الخفيفة على محاولة التفكير الحرّ بفعل الدراسة في الغرب والاحتكاك بعقلانيته وليبراليته، اكتشفت النخب العربية ان الحرية على النمط الغربي ممنوعة على “المستعمرات” إلا في حدود اقتصاد السوق.
ومع المدّ التحرّري العربي والعالمي ضدّ الهيمنة الراسمالية الاستعمارية الغربية، وما عرف بموجة التفكير الناقد للمركزية الاوروبية لصالح نزعات الاستقلال والتنوّع الحضاري، تبيّن أن المركز الاستعماري الغربي يرعى بكلّ قوّته حالة الاستبداد العربي عبر دكتاتوريات عائلية وراثية او عسكرتاريا مافيوزية .
ومع موجة الربيع العربي الذي أسقط رؤوس هذه الدكتاتوريات ظنت شعوب العرب أنها وجدت طريقها الخاصة للحرية، ليتبيّن أن الحواجز التي تحول بين العرب والحرية ليست كلّها من صنع الاستعمار.
صحيح أن رأسمالية المال المعولم والتقسيم العالمي الامبريالي للعمل/والنهب، والمكرّس بحضور عسكري مباشر، والعولمة المعلوماتية المخترقة لكل مساحات الوجود الإنساني، كلّها تتحكّم في الجغرافيا العالمية للسياسة والأفكار، ولكنّ الحرية اللازمة لدخول هذه المرحلة الكونية لن تكون ممكنة أمام العرب دون الجرأة على القطع مع عقدة عدم الانتماء إلى هذا “الجنون” البشري المتحرّر من “أصول” مانعة للتفكير والسفر الحرّ في كل اتجاهات الخيال الإنساني…
في الإنتظار، ولأننا لن ننعم كعرب بسعادة الحرية، سنكتفي بما فعله هرقليطس: كان (بعد كتاب وحيد) يكتفي بالتأتأة والبكاء:
سنتأتئ يأسا من سجن اللغة/الفكرة
وسنبكي من جمال الحقيقة..
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.