الأنا والآخر والعولمة
هل مازال ممكنا في ظلّ تفتّت الهويات وتشظيها في عصر العولمة طرح إشكاليّة “الأنا” و”الآخر”، وأمام ما شاب تلك التعريفات والمفاهين من غيوم وضبابيّة وإرباك ؟
أ يمكن لنا، اليوم، أن نتحدّث عن “ذات” واحدة موحّدة لها ملامحها وخصائصها المتفق عليها ثقافيّا وهُوويّا ؟ فمن “أنا” أوّلا ؟ ومن هو “الآخر” ؟ وهل تمتلك “الأنا” مقوّمات وجودها وشروط إقامتها الوجوديّ وأدوات حوارها مع الآخر الافتراضيّ والحقيقيّ ؟ وهل ما انفكّت “الأنا” متملّكة لسلطة قرارها وقادرة على فرض شروط حوارها مع الآخر كامتلاكها شروط “الصدام معه” إنْ فرض عليها الصّدام ؟
يبدو أنّ إشكاليّة تحديد ملامح الذّات يجب أن يعاد طرحها بجديّة من منظور فكري وفلسفيّ خصوصا ومن منظور ثقافيّ عموما ؟ أ مازال العربيّ ينظر لذاته من منظور كان يعتبر بديهيّا ومشتركا فرضته وحدة اللغة والدين والأرض والعرق ؟ وهل مازالت هذه المفاهيم محلّ إجماع في مناخ معولم أخذ يزعزع الثوابت والمشتركات ؟؟؟ وهل مازال “الفيلسوف العربيّ” الذي حاول الإحاطة بملامح “الأنا” مستنيما لما رسمه من صورة للأنا أم أنّه آن الأوان لإعادة النّظر في هذه الملامح التي عرّت هشاشات تعريفها رياح العولمة ؟؟؟
إنّ حداثيي القرن السّابق ومنظريهم وفلاسفتهم قد قدّموا للآخر صورة غير دقيقة عن ملامح الذات، سرعان ما فضحت محدوديتها رياح التغيّرات التي هبّت على المنطقة العربيّة، وما أطلق عليه ثورات او مسارات ثوريّة أو انتفاضات او حتّى مؤامرات… فما يحمله المخيال الجمعيّ التونسيّ، على سبيل المثال، عن “ملامح الشخصيّة التونسيّة” سرعان ما بدا غير مجمع عليه وسرعان ما طرحت حوله الأسئلة واختلفت حوله التّقييمات وخلخلت ثوابته الأحداث… فكان أن ارتفعت الدّعوات إلى ضرورة إعادة النّظر والبحث في الشخصيّة التوتسيّة التي أوكلت إلى الفلاسفة والأنتروبولوجيين وعلماء الاجتماع والنّفس وعلماء الدين والحضارة بالخصوص.
إنّ طرح قضيّة الأنا والآخر بالشروط نفسها التي طرحت بها في القرن الماضي لم تعد مجدية، ولذلك يجب إعادة طرحها بما يستجيب لمقوّمات وجود الإنسان العربي المسلم اليوم، لا بما يستجيب لشروط طرحها في الماضي.