هل نسي البعض كيف نجحت حملة مقاطعة الحفل الكوميدي لميشال بوجناح على موقع «الفيس بوك» في إجبار إدارة مهرجان الضحك في تونس على إلغاء حفله الذي كان مقررا يوم 27 جانفي 2009 في المسرح البلدي بالعاصمة؟ ولماذا يحتدم اليوم الجدل في بلادنا بمناسبة برمجة عرض الكوميدي ميشال بوجناح في سهرات مهرجان قرطاج منذ إن اصدرت الحملة التونسية لمقاومة التطبيع رسالة مفتوحة لوزير الشؤون الثقافية ومدير مهرجان قرطاج مطالبة بالغاء الحفل المبرمج ليوم 19 جويلية 2017. هذا الجدل هو وثيق العلاقة بالتوظيف السياسي للمسالة الثقافية إذ أن خطر اللااستيعاب للهوية العربية كامن في كل التفاصيل بما فيها العروض الفنية المبرمجة في المهرجانات، ان الوفاء للشخصية الثقافية العربية والهوية الحضارية للشعب العربي والالتزام بالقضية الفلسطينية يحتم علينا الوقوف ضد حضور هذا الفنان الذي عرف بمساندته للمواقف الصهيونية الفاشية ومعاضدته في الماضي غير البعيد لسياسة “شارون” وجرائمه بحق الفلسطينيين والعرب.
لذلك ليست هذه القضية مجرد قضية فلسفية او نظرية في التصور التاريخي بل هي حقيقة تنبع من مواقفنا في الحياة الواقعية وضمن هذا السياق من الجدل حول هذا الفنان. فالمشترك العربي يحتم علينا الالتزام بطبيعة تصورنا للمسالة الثقافية التي تَأَسّست على الوصل العضوي بين المسالة الثقافية والهوية العربية، بعيدا عن الانفصام بين الخطاب السياسي والخطاب الثقافي بما فيها عدم المساس بثوابت القضية الفلسطينية.
بوجناح يا سادة تونسي يمجد الصهيونية في كل وسائل الإعلام ويزور الكيان الصهيوني ويقيم الحفلات في المدن وهو يستعدّ بالمناسبة لتقديم نفس العرض المبرمج في قرطاج في مهرجان تلّ أبيب يوم 25 أوت الجاري والمستوطنات التي تَأَوَّي عصابات مسلحة رديفة للدواعش في الفكر والممارسة.
لكن ما يسترعي الاهتمام هي جملة المواقف المتهافتة والمغالطة والصادرة عما يفترض ان يكونوا مثقفين واعلاميين وصناع راي والتي عملت على توجيه النقاش نحو سراديب مظلمة فاختلطت لديها المفاهيم والمواقف واضحت الديموقراطية والتسامح والتعايش مفاهيم مرادفة لقبول الاخر دون تمييز.
أَطنَبَ مساندو بوجناح في الدفاع عن هذا الاخير بحجة دفاع هذا الاخير عن وطنه الام تونس وهي حجتهم الرئيسية والوحيدة. لكنهم لم يسالوا انفسهم عن أي تونس هذه التي يدافع عنها بوجناح؟ ومنذ متى تبيح جنسية شخص ايديولوجيا فاشستية عنصرية واستعمارية ؟ وهل يختلف الارهاب الصهيوني عن أي ارهاب ديني؟ وهل تشفع تونسيته امام الارهاب الذي يتبناه فكريا وعقائديا، فكثير من التونسيين صنفوا ارهابيين يقاتلون في سوريا والعراق وليبيا وحتى في افغانستان فهل يناصرهم المدافعون عن بوجناح لمجرد كونهم تونسيين؟ ام اننا حازمون ضد التطرف الاسلامي متسامحون مع التطرف اليهودي وجرائمه؟
سيقولون هذا القياس مبني على المغالطة لان تونس التي يدافع عنها بوجناح ديموقراطية وتقبل الاخر بينما تونس التي يدافع عنها المقاتلون التونسيون فاشية رافضة للاخر. لكن أي فرق بين تونس تساند الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتونس تفرض عقيدة اصولية متشددة؟
لم تكن اسطوانة الوطنية المزعومة كفيلة لوحدها بحشد راي عام مناصر لبوجناح لذلك سعى بعض انصاره الى اقحام هذا الاخير في خلاف سياسي بامتياز لخلط الاوراق وهي سياسة داب عليها الكيان الصهيوني طيلة تاريخه لضرب الخصوم وحشد الدعم لمشروعه الاجرامي وهو بالضبط ما نجح فيه المدافعون عن بوجناح والمهللون لقدومه لاظهار انصار المقاطعة كاناس معادين لليهود والغريب ان من يدافع عن علمانية الدولة يقحم الشان الديني في السياسي لمجرد غايات دعائية واقنعوا باطروحات كانوا يرفضونها ام ان هذا الاقحام مبرر لهم ومحرم على من سواهم ؟
إنّ الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني في دعوتها إلى إلغاء برمجة هذا العرض بنت موقفها المبدئي هذا على الاعتبارات التالية:
• ان ميشال بوجناح أحد أهم الوجوه الفرنسية التونسية الصهيونية التي طالما دافعت عن “إسرائيل” وحروبها وجيش احتلالها خاصّة في وسائل الاعلام الفرنسي. وهو يعترف بنفسه ويفتخر بكونه “صهيونيًا” (في تصريحات عديدة كان آخرها في 5 فيفري 2013 على موقع JSS NEWS ولا يخفي ولاءه لـ”إسرائيل” إذ يقول في إحدى مقابلاته الصحفية: “نحن يهود الشتات لا نملك أي طريقة لضبط النفس عندما يتعلّق الأمر بإعلان إعجابنا بإسرائيل”. ”إسرائيل” العنوان الأبرز لابشع انواع للاستعمار والتمييز العنصري في العالم فهل نسي التونسيون كيف اقدم نفس الكيان الذي اقترف على أرضنا ابشع جرائمه كانت اخرها جريمة اغتيال المهندس محمّد الزواري في ديسمبر الماضي؟
• إنّ ميشال بوجناح لا يكتفي بإعلان هذا الإعجاب إذ يعتبر نفسه جزءا من “الشعب الإسرائيلي”، كما يعتبر مجرميْ الحرب أرييل شارون وإسحق رابين من “كبار رجال السلام” (في حوار له في سنة 2010، نشر على موقع SVP Israel”). “رجال السلام”. ومن المعلوم أنّ إسحق رابين كان وزير دفاع حكومة إسرائيل سنة 1985، وهو المسؤول الأول عن “عملية الساق الخشبية” التي استهدفت تونس (حمّام الشطّ) والتي قُتل فيها ثمانية عشر مدنيا تونسيا وجُرح فيها أكثر من مائة، واستُبيحت فيها بلادنا بشكل فج.
• لا شان لنا بدين بوجناح و لا باصله وفصله ولا يهم ان كان تونسيا او فرنسيا لكننا نرفض ان يعتلي مسرح قرطاج لسبب واحد لا لبس فيه وهو ان هذا الفنان المزعوم يناصر سياسة الكيان الصهيوني الاجرامية التي تطال الجميع بالقتل والتهجير والاحتلال والقصف والتخريب والتامر وكان هذا السبب كفيل باقناع اعرق منظمة نقابية تونسية لتبني طرح المقاطعة والدعوة الى الغاء العرض فضلا عن حجم التعاطف الشعبي رغم حملة التشويهات التي يحاول معسكر الصهاينة الصاقها به.
• يؤكّد ميشال بوجناح أنّ “الحرب اليوم لا تُلعب على الميدان فقط بل على شاشات التلفاز” (في نفس الحوار الذي بث على نفس الموقع). ونحن نؤكّد صحّة كلامه. إذ شوهد عديد المرّات يبرّر ويدافع عن جرائم “إسرائيل” وجيشها على شاشات التلفزيون الفرنسي وفي وسائل اعلامها.
• لقد أكّد دستور الجمهورية التونسية في توطئته على الانتصار لحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرر الفلسطيني ورغم اسقاطه لمشروع مناهضة التطبيع فانه على الاقل أكّد على مناهضة كل أشكال العنصرية. وتجسيدا لهذه المبادئ الدستورية والانسانيّة وباعتبار الصهيونية إحدى أبشع مظاهر العنصرية والاحتلال فانه يجوز قانونا منع كلّ أشكال التطبيع مع هذه الحركة، المتجسّدة على الأرض، في الكيان الاستعماري المسمّى “إسرائيل”. وكذلك مع كلّ ابواقها وممثّليها والمدافعين معها والمشيدين بها و المتعاونين معها بغضّ النظر عن الجنسيات التي يحملونها واشكال التعبيرات التي يسوقونها.
ولاجل هذا وذاك نعتبر برمجة هذا الحفل خطأ لاننا لسنا أَقَلَّ وعيا أو نضجا من الفرنسيين الذين قاطعوا حفل الكوميدي الفرنسي المعروف «آرثير» لمواقفه المساندة للصهيونية ودعمه للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.