فوزي الطلحاوي
إنّ ما أثارته تصريحات االرئيس التونسيى السابق الدكتور منصف المرزوقي في شهادته على العصر على قناة الجزيرة القطريّة من جدل ونقاش سياسيّ لا يمنعنا من طرح أسئلة لا نملك لها أجوبة دقيقة حاسمة: لماذا الآن وهنا ؟ وما خلفيّة تلك التصريحات وأهدافها ؟ أ هي ضرورة سياسيّة ملحّة ؟ وهل حان وقت التقييم والمحاسبة ؟ ومن يقيّم من ؟
لا بدّ أنْ نضع تصريحات الدكتور المرزوقي في سياقها، فهي تأتي في مرحلة “ركود سياسيّ تونسيّ” وغليان خليجيّ عربيّ، لذاك فكأنّما قد رمى المرزوقي حصاة في بركة السياسة التونسيّة الرّاكدة، فأخرج بعض السياسيين التونسيين من سباتهم واعتكافهم وانكفائهم على ذواتهم، ومنهم المهندس حمادي الجبالي رئيس وزارء تونس في عهد الترويكا الذي استفزّه تصريح المرزوقي ودفع به إلى الردّ، كما تأتي تلك التّصريحات في مرحلة يسعى فيها الدكتور المرزوقي اختبار حجم “فعله” السّياسيّ والإعلاميّ، وهو الذي يهيّئ حراكه للمحطّات الانتخابيّة المقبلة، فلعلّها اختبار داخليّ كذلك، وتأتي أيضا اختبارا لموقعه وحجمه السياسيّ وهو رئيس سابق ورئيس حزب حراك تونس الإرادة. أمّا من حيث التوقيت “الوطنيّ” فهل هو التوقيت المناسب للشهادة ؟ وهل ما يعني التونسيين الانتخابات البلديّة والمحطّات السّياسيّة المقبلة أم مرحلة الترويكا السابقة ؟
وأمّا من حيث مضمون الشهادة، فهل كان المرزوقي في مستوى تلك الشهادة وفي مستوى التعاطي الإعلاميّ مع صحفيي الجزيرة المتمكّنين والحرفيين، إذا أخذنا في الحسبان، بعض الهنات التي رافقت تعاطي الرئيس السابق مع الإعلام “الوطنيّ” ؟ فمن خلال تسرّعه في التّشخيص والتّقييم وانجراره إلى شخصنة التقييم يبدو أنّ الدكتور لم يكن جاهزا لتلك الشهادة كما يبدو أنّه أخطأ اختيار التّوقيت، فالدّكتور الذي أرهقتنا نرجسيته في مرحلة حكم الترويكا لا يبدو أنّه قيّم مرحلة حكمه في عهد الترويكا كما يبدو أنّه لم يوفّق في تشخيص مقتضيات المرحلة ومتطلبات وطنه وحزبه وشخصه، فما معنى أن ينجرّ الدكتور إلى شخصنة أخطر مرحلة مرّت بها تونس في شخص رئيس الوزراء أو في أحداث تبدو ثانويّة وبالونة إعلاميّة أكثر منها سياسيّة؟
بناء على ما تقدّم، تنساءل: هل أنجز الدكتور الرئيس تقييمه الذّاتي لمرحلة توليه رئاسة الجمهوريّة ؟ وهل أعدّ تقبيما سياسيّا شاملا لأداء الحكومة والأحزاب المشاركة فيها وقتها ؟ وهل أعدّ رئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي تقييمه لمرحلة توليه رئاسة الوزراء ؟ وهل أنهت حركة النهضة تقييمها لأدائها السياسيّ كذلك ؟ وهل انتهت أحزاب المعارضة من إعداد تقييمها ؟؟؟ لا أعتقد.
هكذا نلاحظ أنّ الارتجال والعشوائيّة والفردانيّة ما تزال السّمة اللافتة في أداء نخبنا السياسيّة وأحزابهم. والتساؤل الذي يفرض نفسه: ما قيمة تلك الشهادة توقيتا ومضمونا ؟ وإذا استسهلنا التقييم وانجررنا إليه، ألا يحقّ للترويكا تقييم أداء رئيس الجمهوريّة وقتها ؟ وبما أنّه ممكن، فلمَ أحجمت عن ذلك إلى حدّ الآن ؟
ختاما، أعيد طرح السؤال: من يقيّم من ؟، ومن يشهد على من ؟ لستم وحدكم معنيين بالتقييم سيد الرئيس سيد رئيس الوزراء، كلنا معنيون بالتقييم، كلّنا معنيون بالشهادة.