الطيب الجوادي
بالنسبة إلى هنيّة: الفرق بين إمرأة وأخرى ليس الجمال ولا الأصل ولا المستوى الثقافي ولا أن تكون غنية وذات أملاك :
هي تعتقد أن هناك صنفين من النساء: الڤادرة وهي “الحرّة الشاطرة الصنّاع” “وين ادوّرها ادّور”، تتقن عجن الخبز وصنع المرڤوم وغسل الدوّارة، سريعة الحركة و”متاع مواعيد”، تحسن تحضير التوابل والعولة، وتفرح بالضيف، وتلبس لكل حالة لبوسها، وأخرى “حايرة” “حركتها ثقيلة” و”ماكلتها ماسطة” و”منطقها عادم” لا تتقن شيئا من شؤون المنزل و”تجي اطبّها تعميها”، وهي عند هنية شرّ النساء، حتى ولو كانت طبيبة أو مديرة أو وزيرة، وقد حرصت أن تختبر بنفسها كل أنثى تتم خطبتها من أحدنا نحن أبناءها الذكور، وتنبّهنا أنها لن توافق عليها إلا إذا اقتنعت بها هي ونجحت في نيل ثقتها وعندما أحاججها بأن الزواج “مكتوب” ومن الممكن ان نتعلّق بإمراة لا تتوفر فيها الشروط التي تطلبها هي في المراة، تثور ثائرتها، وتنذرني بانها لن “ترضى عليّ” دنيا ولا آخرة لو “جبتلها مرا حايرة” فالزواج بالحايرة سيجعلها “تخمّم عليّ، ميتة وحيّة” ولن تطمئنّ علي إلاّ إذا زوجتني بمرا “ڤادرة”.
وأذكر أنها طلبت من حماتي، في أوّل لقاء بينهما للتعارف أن تعدّ لها المدام القهوة بنفسها وتقدمها لها، وراحت تراقبها بعينيها الخبيرتين وتتتبّع حركاتها وسكناتها وفي لحظة ما وقفت وطلبت من حماتي ان ترافقها للمطبخ “باش تقعد شويّة مع كنّتها” وكان واضحا أن الهدف من “زيارتها التفقدية” هو الحكم ميدانيا على المدام، فالمطبخ هو مملكة المرأة حسب هنية، ومن خلاله يمكن الحكم موضوعيّا على “الطفلة” وعلى عائلتها، ولا تسل عن حيرة فاطمة وارتباكها، هي التي لم تتوقع ان تدخل عليها حماتها المطبخ في اول لقاء تعارف! وكنت أدعو الله في سرّي ان تمرّ الحادثة دون “أضرار كارثية”، وقد ظلت تكرّر امامها سنوات طويلة “كل شيء إلا دخلتك عليّ في الكوجينة، يا خالتي هنيّة، حتى نهار الباك ما تفجعتش هكاكة” فتبتسم هنية وتغمغم “الاّزم لازم بنيتي، نا نكره المرا الحايرة”.
وقد أعدت هنية تقريرا متكاملا عن “مذاق القهوة وطريقة تقديمها وزمن انضاجها” “وحرْكة الكنة و”شطارتها ونظافتها وبالطبع، تسريحة الشعر، وكيفية الجلوس وماهية الأسئلة التي توجهت بها إليها وعدد مرات التدخل في الحوار، وطريقة الإجابة! انتهى بموافقتها بارتباطي بها.
ولكنها قبل سنتين من رحيلها وجدت نفسها امام إشكال لم تتوقٓعه، فقد خطب أخي الأصغر فتاة فرنسية جاء بها إلى بلادنا لتتعرف عليها وتبارك زواجه منها، ووجدت هنية نفسها لأول مرّة عاجزة عن التقييم الموضوعي: فصاحبتنا الفرنسيسة لا تتقن الطبخ ولا غسل الدوارة ولا انضاج الخبز في الطابونة ولا حتى احضار “برّاد تاي منعنع” وحين سألتها بمكر: اشنوة رايك في الفرنسيسة مرت ولدك الصغير؟ تعدّي روحها؟ بدا عليها الاضطراب، وزمت شفتيها وهمست لي: وليدي ظاهرلي خوك باش يعيش على الكسكروتات، وباش يقتلو البرد، ظاهرلي حتى البطانية ما تعرفش تنحيها!
#مذكرات_الطيب_الجوادي