هنا محمد بن زايد.. حاكم الإمارات والسعودية ومصر وقاهر الربيع العربي

هاف بوست عربي
من بلدٍ كان حاضراً دائماً في الأزمات العربية حضوراً وادعاً وإيجابياً إلى بلد صار مقترناً بدعم الطغاة عربياً وعالمياً وإلى بلد صار يوصف بأنه رأس الحربة في القضاء على الربيع العربي الذي مثل أشواق الشعوب العربية للحرية.
تغيرات بدأت تظهر على سطح السياسة الخارجية منذ 2004 عندما توفي مؤسس الدولة زايد آل نهيان وصار الحكم الفعلي لابنه محمد الذي يسعى لتوسيع نفوذه ليصبح صانع القرار في مصر والسعودية واليمن وليبيا وتونس ويضغط ليمده إلى قطر.. هذه الرحلة نرصدها هنا.
في الأول من يناير 2013 قرر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي إطلاق اسم الشيخ محمد بن زايد على أحد أهم شوارع البلاد: “طريق الإمارات”. رمزية تغيير اسم “الإمارات” إلى اسم ولي عهد أبوظبي، وافقت الواقع بالفعل، فالابن الثالث للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أصبح الآن أحد أهم الساسة، إن لم يكن أهمهم بلا منازع، كما أن العام 2013 كان العام الأكثر أهمية في نشاط بن زايد.
يمكن القول إن بزوغ نجم محمد بن زايد بدأ قبل وقت طويل من تعيينه نائبًا لولي العهد في نوفمبر 2003، قبل عام من وفاة الشيخ زايد آل نهيان، الذي خالف ما كان قد أعلنه قبل ذلك بعدة سنوات من أن وريثه الشرعي الشيخ خليفة بن زايد سيتولى اتخاذ كل القرارات المستقبلية بما في ذلك ولاية العهد. قرار التعيين نفسه رغم مفاجأته لأوساط إماراتية عديدة، إلا أن هذه الأوساط نظرت للقرار باعتباره تحصيل حاصل، إذ كان يُنظر لمحمد بن زايد حينها باعتباره الأكثر تأثيراً بين إخوته، لا سيما بعد إدارته جولات مفاوضات معقدة مع الولايات المتحدة لشراء 80 طائرة من طراز “إف 16 بلوك 600” ضمن ما سوّقه على أنه خطة شاملة لتحديث سلاح الجو الإماراتي، وكذلك لتقديم نفسه كولي للعهد وحاكم فعلي للإمارات مع ضعف أخيه المريض “خليفة”.
هذا التأثير ظهر في وثيقة مسربة عبر ويكيليكس. إذ نقلت الوثيقة تفاصيل حوار دار في يناير/كانون الثاني 2003، قبيل الغزو الأميركي للعراق، بين محمد بن زايد، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة حينها، والدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس.
فالوثيقة، وعلى الرغم من إشارتها للقاء هاس بوزير الدفاع وولي عهد دبي حينها، محمد بن راشد آل مكتوم، إلا أنها لم تشر إلا إلى تفاصيل الحوار الهام بين هاس ومحمد بن زايد، الذي انضم له مستشاره الخاص بالشؤون الدولية حينها، يوسف العتيبة، والذي لمع اسمه لاحقاً كسفير نشيط لمحمد بن زايد في واشنطن.
ويكيليكس تقدم: أصدقاء الغزو
انعقد لقاء ريتشارد هاس بمحمد بن زايد قبل شهرين تماماً من الغزو الأميركي للعراق، في هذا اللقاء، نقل محمد بن زايد للدبلوماسي الأميركي معلومات عن وضع العراق، وعن الشائعات التي تدور في بغداد، وعن كيفية احتواء الرأي العام العربي، منوهاً إلى أن الولايات المتحدة عليها أن تضغط على قطر من أجل كبح جماح تغطية الجزيرة. بل إن بن زايد نصح الأميركيين بألا يصطحبوا أي صحفيين في موجة الهجوم الأولى كي لا تثير مشاهد الضحايا المدنيين ردود أفعال عربية غاضبة، لم ينصح بن زايد هنا بتجنب قصف المدنيين، لكنه نصح بألا يظهر ذلك أمام الناس.
نقلت الوثيقة أيضاً ما قاله بن زايد بأن لقاءً جمع بين الشيخ زايد آل نهيان، والأمير القطري حمد بن خليفة، والذي أعرب عن استيائه من طلب سابق لمحمد بن زايد، خلال الحرب الأميركية على أفغانستان، من الجنرال تومي فرانك بقصف مقر الجزيرة، وبحسب الوثيقة فإن بن زايد نقل ضاحكاً رد والده على الشيخ حمد “هل يمكنك أن تلومه على ذلك؟”.
في مقابل الرغبة في إبعاد الجزيرة، يدير محمد بن زايد شبكة إعلامية ضخمة، من الصحفيين المعروفين الذين يعملون لتنفيذ أجندته، ومن بينهم الكثير من الإعلاميين السعوديين فيما يسميه الناس “خلية الإمارات”، ومن أبرز وجوه هؤلاء المدير الحالي لقناة العربية تركي الدخيل الذي يملك مركز المسبار للأبحاث في دبي ويعمل فيه عدد ممن انقلبوا على السلفية الجهادية في السعودية، ويجري أبحاثاً عن أنشطة التيارات الإسلامية معظمها لصالح الجهات الأمنية الإماراتية، ويتباهى الدخيل بقربه من ولي عهد أبوظبي.
وقد كُشفت مستندات تعود لعام 2012 عن علاقة وطيدة بين محمد بن زايد، وأخيه عبدالله من جهة، وبين تركي الدخيل.
الوثائق أظهرت تحويلات بنكية من طرف عبدالله بن زايد لصالح تركي الدخيل. كذلك أوضحت الوثائق أن علاقات الدخيل بحكام الإمارات قبيل صعود الأمير الشاب محمد بن سلمان كانت أحد أهم أسباب ثرائه المفاجئ الذي ظهر في تضاعف قيمة محفظته الاستثمارية من 8.5 مليون ريال سعودي إلى 94 مليون ريال خلال 6 أشهر فقط.
العلاقة بين الدخيل ومحمد بن زايد وصفها الأول بأنها “جيدة” في مقابلة أجراها في يناير 2014، وفي هذه المقابلة قال الدخيل: “فضل محمد بن زايد عليّ كثيرٌ وهناك العديد من النعم التي كان يغدقها عليّ، لكنني لست مستشاراً له”.
تصعيد تركي الدخيل ليعمل مديراً لقناة العربية في بداية 2015 جاء محصلة للتقارب الإماراتي السعودي، أو فلنقل التقارب بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان -ولي ولي العهد السعودي في ذلك الوقت- على وجه التحديد.
mohammed bin zayed bush
في ذات الوثيقة التي نشرتها ويكيليكس كشف بن زايد عن رؤيته لبعض الأطراف في المنطقة، فإيران حسب قوله ستصبح أكثر ديمقراطية مع مرور الوقت، أما بشار الأسد فهو رجل يحاول فعل الصواب وفي حال غيابه “سيملأ الأشرار الفراغ”، كان ذلك قبل 8 سنوات من الربيع العربي.
الوثيقة مليئة بالتصريحات المعبرة بشدة عن قناعات محمد بن زايد. فمثلاً قلل الرجل من أهمية التوترات القطرية السعودية في تلك الفترة، قائلاً إن البلدين يتشاركان الجذور الوهابية نفسها، وبأن العلاقات السعودية الإماراتية أكثر تعقيداً، مشيراً إلى الخلاف حول حقل الشيبة النفطي الحدودي.
كذلك يمكن فهم الموقف الإماراتي المؤيد لولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان، بالعودة إلى تصريح محمد بن زايد في الجلسة نفسها، والذي أهان فيه وزير الداخلية السعودي وقتها، نايف بن عبد العزيز، والد وليّ العهد المعزول محمد بن نايف، قائلاً إنه “يثبت صحة نظرية داروين حول أصل الإنسان”!.
المفارقة أنه في وقت الجلسة التي تناولتها الوثيقة، لم يكن محمد بن زايد يدعم بعد محمد بن سلمان بل كان يدعم توجهات ولي العهد -حينها- عبد الله بن عبد العزيز، وابنه متعب، وفيما بعد وصول عبد الله إلى الحكم صار بن زايد داعماً لوصول متعب للحكم على حساب سلمان بن عبد العزيز.
لكن تمدد محمد بن زايد سبقه جُهد مضنٍّ في الداخل، فالإمارات التي بناها الرجل، تبدو مختلفة تماماً عن الإمارات التي تظهر على الشاشة.
ناطحات السحاب لا تخفي السجن بالأسفل
تُصنف منظمة فريدوم هاوس، والمقربة من صانع القرار الأميركي، الإمارات باعتبارها دولة “غير حرة”، إذ أعطتها تصنيفاً بلغ 20 نقطة، ولإدراك مدى سوء هذا التقييم، يكفي أن تعرف أن مصر، التي شهدت أكبر مذبحة ضد متظاهرين سلميين في التاريخ الحديث، حصلت على 26 نقطة، أي أعلى بست نقاط من دولة الإمارات.
أما منظمة العفو الدولية فتنظر إلى سجل الإمارات لحقوق الإنسان بالكثير من القلق. تتحدث المنظمة باستمرار عن الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية والمحاكمات الظالمة بحق المعارضين الإماراتيين أو المطالبين بإصلاحات سياسية في البلاد، ولمحمد بن زايد دور كبير في هذا السجل.
في عام 2003 عُقد لقاء، هو الوحيد تقريبًا، بين عدد من القياديين الإسلاميين في الإمارات، من جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي المقربة من الإخوان المسلمين، ومحمد بن زايد، وما إن بدأ الحوار حتى خيّرهم بن زايد بين حل الجمعية وتفرق قادتها ونشطائها وبين أن يتم التضييق عليهم وفصلهم من أعمالهم هم وعائلاتهم وأبناؤهم.
طلب قادة الحركة عقد لقاء آخر مع محمد بن زايد، إلا أنه رفض، وخلال السنوات اللاحقة، كان قد تم اعتقال جميع من حضروا اللقاء الأول، وحظر الحركة، وتجريم الانتماء إليها. لكن الأمر لم يتوقف عند الإسلاميين فحسب!
ففي مارس 2013، على سبيل المثال، أعدت الإمارات قضية عُرفت باسم قضية “الإمارات 94” حكمت فيها على عشرات المواطنين بالسجن لفترات تتراوح 10 سنوات حضورياً، وتصل إلى 15 سنة للذين حُوكموا غيابياً.
مركز الإمارات لحقوق الإنسان كان قد أصدر بياناً قال فيه إن “عشرات الناشطين من الحقوقيين والقضاة والأكاديميين كانوا قد دعوا سلمياً إلى توفير المزيد من الحقوق والحريات بما في ذلك الحق في التصويت بانتخابات المجلس الوطني “البرلمان” وإعطائه الصلاحيات التشريعية والرقابية، وهو ما أدى إلى الزج بهم في السجون عقب محاكمة جائرة”.

من مظاهرات في لندن مطالبة بالإفراج عن معتقلي رأي إماراتيين

العنوان الذي يتحدث عن ناطحات السحاب التي لا تخفي السجون ليس مزاحاً؛ فأحد المشاهير الذين كانوا يقيمون في دبي حكى عن مفاجأة تعرض لها عندما حان موعد تجديد إقامته.
فقد اتصل به أحد موظفي إدارة الهجرة والجوازات ليطلب منه بلطف بالغ زيارتهم لدردشة تستمر دقائق لإنجاز معاملته، وحين وصل إلى مبنى الإدارة اتصل بالموظف فطلب منه الأخير أن ينتظره في المقهى الموجود بصالة خدمة المواطنين ثم جاءه مرحِّباً وطلب منه مرافقته إلى المكتب، دخلا في ممرات سرية لم يكن يتوقع وجودها وعبرا عدة أبواب مؤمنة بالشفرات، ثم فوجئ بمن يفتشه بفظاظة وأن المفتش الباسم الذي استقبله قد لبس وجهاً أكثر صرامة وهو يخبره بأنه الآن في مقر أمن الدولة وأن مستقبله قد ضاع وأنه قد لا يخرج قريباً.
السلطات الإماراتية تنتهج طريق الإخفاء القسري للمعارضين لفترات طويلة، فقد تم إخفاء عبد الرحمن بن صبيح لثلاثة أشهر بعد أن أُعيد من إندونيسيا إلى الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2015. بن صبيح كان أحد المحكوم عليهم بخمس عشرة سنة في محاكمات الإمارات 94، وبعد إخفائه أُعيدت محاكمته ليحصل على حكم بالسجن 10 سنوات بالإضافة لثلاث سنوات يقضيها تحت المراقبة.
“سجين الضمير” كما تصفه منظمة العفو الدولية، ناصر بن غيث، وهو أكاديمي واقتصادي، تم اعتقاله وإخفاؤه في أغسطس/آب 2015 حتى أبريل/نيسان 2016 قبل أن يظهر أمام محكمة أمن الدولة.
فترات الاحتجاز والإخفاء في السجون الإماراتية تظهر في ملفات المنظمات الحقوقية باعتبارها فترات سوداء من التحقيق دون أي حقوق والمعاملة السيئة وحتى التعذيب.
كذلك تطال الاعتقالات والانتهاكات السياسية غير الإماراتيين المقيمين في الإمارات، ففي يناير 2014، تلقى 20 مصرياً و10 إماراتيين أحكاماً بالسجن 5 سنوات، بتهمة إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد. حُرم المحكوم عليهم من التواصل مع محاميهم، كما أكدوا تعرضهم للتعذيب.
البلاد التي تعصف بربيع لم يصلها
لم تُخف السلطات الإماراتية تحت قيادة محمد بن زايد عداءها للربيع العربي ولا لمن جاء به الربيع العربي إلى السلطة، ولا يختلف في ذلك إسلاميو مصر أو يساريو تونس أو ثوار ليبيا، الجميع مثلوا تهديداً وجودياً رأته السلطات الإماراتية.
التسريبات الأخيرة التي ظهر فيها سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، داعماً للانقلاب العسكري في مصر، وتدخل الإمارات في ليبيا عبر دعم الجنرال خليفة حفتر ليست الأدلة الوحيدة على ذلك الموقف الإماراتي.
تعاملت السلطات بعنف شديد مع المتعاطفين مع الربيع العربي على أراضيها وخارجها، يروي الناشط الفلسطيني إياد البغدادي، الذي اكتسب شهرة واسعة بعد ثورات الربيع العربي، وقائع تجربة اعتقاله داخل السجون الإمارتية قائلًا: “أخذوني في مركبة نقل مع حارسين. قادوا السيارة إلى أبوظبي لمدة ساعتين، قبل أن نصل إلى مركز الشرطة، حيث قاموا بتقييدي إلى رجل باكستاني بعد وصولي”.

تم ترحيل إياد البغدادي من الإمارات بسبب مواقفه المؤيدة للربيع العربي

يستكمل البغدادي، الذي كتب عدداً من التدوينات المُناهضة للنظام المصري المدعوم من جانب الإمارات: “كنت في غرفة لسِت ساعات، مع الكثير من المهاجرين، أغلبهم من العمال. الكثير منهم مخالفون للإقامة رغم أن الكثير منهم أقاموا في الإمارات لفترات طويلة أو طوال حياتهم”.
استخدمت الإمارات أسلوب التهجير القسري ذلك مع أشخاص قد يشكل ترحيلهم تهديداً مباشراً على حياتهم، كما فعلت مع عدد من السوريين المقيمين في الإمارات.
يحكي السوريون في الإمارات قصصاً عن داعمين للثورة السورية تم ترحيلهم إلى تركيا، وخشية آخرين من الترحيل غير المتوقع. ففي ديسمبر 2015 قامت شركة بترول أبوظبي للعمليات البترولية البرية المحدودة “ADCO”، بإقالة جميع العمال والموظفين السوريين لديها.
كذلك نال سوط الترحيل من اللبنانيين المقيمين في الإمارات، حيث تم استبعاد 70 لبنانياً، في مارس 2015، بسبب انتمائهم للمذهب الشيعي، واتهمتهم بتأييد حزب الله اللبناني.
استثمارات في أماكن مدهشة
خلال الأعوام الأخيرة، قام محمد بن زايد باستثمار مليارات الدولارات في العديد من مناطق العالم، وهي استثمارات تبدو مسيّسة في معظمها، لكن بعضها يأتي في كثير من المناطق المثيرة للتساؤل حول أهدافها لاسيما إذا لم تكن الجدوى الاقتصادية واضحة.
على سبيل المثال، الإمارات هي رابع أكبر مستورد للأسلحة في العالم، ما يجعلها الدولة الأكثر تسليحًا في العالم بالنسبة لعدد مواطنيها الذي لا يزيد على مليون. لكن صفقات السلاح هي واحدة من أهم وسائل الدبلوماسية والتقارب مع الدول الكبرى التي يتم اتباعها بكثافة مؤخراً.
الاستثمارات الإماراتية في أوروبا الشرقية، وتحديدًا حول استثماراته المتزايدة في صربيا، تتزايد الأسئلة حول أهداف وأجندة محمد بن زايد، لاسيما أن تلك الدولة تحظى بسمعة سيئة للغاية بين الجماهير العربية والمسلمة بسبب ارتباط اسمها بالمذابح التي ارتكبت ضد المسلمين في كوسوفا والبوسنة والهرسك على خلفية انتمائهم الديني.
يستثمر محمد بن زايد في صربيا بشكل مباشر وعن طريق مستشاره محمد دحلان، الحاصل على جنسية إحدى دول أوروبا الشرقية، وكانت إحدى أبرز الصفقات التي عُقدت، صفقة تبلغ قيمتها 200 مليون دولار بين شركة الأسلحة الصربية Yugoimport SDPR والشركة الإماراتية القابضة للبحوث المتقدمة والتكنولوجيا عام 2013. وامتدت تلك الاستثمارات من السلاح إلى العديد من الصناعات الأخرى؛ مثل العقارات وشراء الأراضي وحتى الطيران. مثلًا قامت شركة طيران الاتحاد الإماراتية بشراء 49٪ من شركة الطيران الصربية JAT، وبهذا الاستثمار نشأت شركة طيران جديدة Air Serbia.
يقول “دوسان بافلوفيتش” الذي عمل كمستشار لوزير الاقتصاد الصربي بين سبتمبر 2013 ويناير 2014 إن صفقة الاتحاد شابها فساد كبير لصالح رئيس الوزراء الصربي.

محمد بن زايد مع دحلان والرئيس الصربي الحالي أليكسندر فوفيتش في زيارة لناد رياضي صربي

لكن، لماذا صربيا بالتحديد ؟
بحسب مصدر صربي فإن “الإمارات تستخدم علاقاتها واستراتيجيات الاستثمار في صربيا لإحباط المنافس التركي، ومنعه من تثبيت موطئ قدم راسخ ونشر نفوذه في منطقة البلقان”.
محمد بن زايد أنفق الكثير من أجل إسقاط نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالفعل، فقد صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بأن “دولة (مسلمة) أنفقت 3 مليارات دولار من أجل إسقاط الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في تركيا”، وفي حديث خاص أخبر صحفيا تركياً أن تلك الدولة هي الإمارات، وتحدث سياسيون وأكاديميون أتراك عن أن هذا التمويل جاء بالفعل لمنظمي محاولة الانقلاب العسكري الأخيرة في يوليو 2016.
من ناحية أخرى، يقول البعض إن محمد بن زايد يريد -عبر الاستثمار لصالح الولايات المتحدة- جذب صربيا بعيدًا عن القطب الروسي، فصربيا التي ترفض الانضمام لحلف الناتو حرصًا على علاقاتها بموسكو، تعمل دومًا على موازنة وضعها بين الشرق والغرب، لكن مع تلك الاستثمارات، فإنه من المنطقي تمامًا أن تقترب أكثر من الإمارات، ومن الولايات المتحدة بالتبعية.
الطريق إلى واشنطن عبر تل أبيب
لا توجد سفارة لإسرائيل في الإمارات، ورغم ذلك فإنه يمكن رصد ملامح التعاون بين الإمارات وإسرائيل على المستوى الرسمي، والتعاون مع رجال أعمالها كذلك.
في نهاية عام 2013، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرًا عن رجل أعمال إسرائيلي أميركي يُدعى طل كينان، قالت الصحيفة إنه “يُدير ملايين العرب من أبراج تل أبيب”، وفي التقرير تحدث كينان عن أنه يجد معظم زبائنه عن طريق الصداقات المشتركة في الإمارات، حيث يُرشحه زبائنه العرب لأصدقائهم الذين لا يجدون غضاضة أبداً في التعامل مع رجل الأعمال الإسرائيلي.
تقرير هآرتس لم يشر إلى التقارب السياسي الإماراتي الإسرائيلي، لكن هذا التقارب يمكن ملاحظته في الثقة الشديدة التي توليها المؤسسات الأمنية والرسمية في الإمارات للشركات الإسرائيلية، التي، وبحسب تحقيق نُشر في فبراير/شباط 2015، تتحكم بشكل شبه كامل في شبكات المراقبة والتجسس، وبالتالي، أجهزة المعلومات الإماراتية من خلال مشروع “عين الصقر” للرقابة على المواطنين والوافدين، الذي أقرّه الشيخ محمد بن زايد.
بحسب مصدر إماراتي فإن حجم المراقبة في مشروع عين الصقر هائل، “كل إنسان يُرصد من اللحظة التي يغادر فيها عتبة بابه إلى اللحظة التي يعود فيها إلى منزله، وكل ما يقوم به من عمل ومعاملات اجتماعية وتصرفات وسلوكيات يسجل ثم يحلل ثم يحفظ في الأرشيف، يبدو ذلك ضربًا من الخيال العلمي، لكنه يحدث بإشراف شركة AGT الإسرائيلية التي استفادت بعقد قيمته 800 مليون دولار.
ورغم عدم اعتراف الإمارات رسمياً بالدولة الإسرائيلية، فإن تقارير ذات مصداقية تحدثت عن رحلة طيران سرية تتحرك بين مطار بن غوريون في تل أبيب ومطار أبوظبي الدولي من قبل شركة الطيران الخاصة “برايفت إير” والتي تتخذ من جنيف مقراً.
خارجياً، وتحديداً في الولايات المتحدة، يظهر شكل أبرز من التنسيق بين أبوظبي وتل أبيب. فبداية من الحرب العلنية التي يديرها السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة ضد حركات الإسلام السياسي، بما في ذلك حركات مناهضة الاحتلال كحركة حماس، وليس انتهاء بالاتفاق في الأجندات مع بعض من أبرز أجنحة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
معلومة أخرى بدت مزعجة للجماهير العربية، عندما كشف الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، عن شراء الإماراتيين منازل في القدس بمبالغ ضخمة لصالح مؤسسات يهودية تعمل على تهويد القدس، منوهاً بأن فادي السلامين أحد المقربين من محمد دحلان، المستشار الأمني للشيخ محمد بن زايد، هو أحد أبرز من يقوم بتلك العمليات.
التكنولوجيا.. من أجل قمعك أنت
“أسرار جديدة عن التعذيب في السجون الإماراتية”، كان هذا هو عنوان الرسالة التي استقبلها الناشط الحقوقي الإماراتي الشهير أحمد منصور على هاتفه النقال من نوع iPhone على مدار يومين في 10 و11 أغسطس/آب 2016. احتوت الرسالة على رابط، وبمجرد أن ضغط عليه منصور، تحول جهازه إلى أداة تجسس ذات كفاءة عالية يسجل كل حركات منصور وسكناته لصالح الحكومة!
قضية التجسس على أحمد منصور استدعت تدخل شركة آبل مباشرة لإصدار تحديث يشمل كل أجهزتها لتجنب الاختراقات من هذا النوع.

تفاصيل التجسس على منصور ظهرت في تقرير تقني طويل نُشر على موقع Citizen Lab أكد أن الأداة التي استخدمها الإماراتيون أداة إسرائيلية، تمكن الذي يقوم بالتجسس من التحكم الكامل في هاتف منصور، بداية من تفعيل الميكروفون أو الكاميرا بدون علم صاحبه، أو تسجيل مكالمات ومحادثات تطبيقات واتساب أو غيرها، وبالطبع معرفة تحركات منصور بشكل دقيق. البرنامج كان مكلفاً ومعقداً إلى حد أن أطلق بعض خبراء الأمن الإلكتروني لقب “معارض بمليون دولار” على أحمد منصور.
إذاً استعانت حكومة أبوظبي ببرنامج استثنائي من تصميم شركة NSO الإسرائيلية للتجسس على منصور. لكنها لم تكن القضية الوحيدة، إذ إن سجل الإمارات في التجسس على المواطنين والشركات قديم بقدم شركات التكنولوجيا نفسها.
قصة انهيار شركة بلاكبيري بعد نجاحها العالمي خاصة في دول الخليج هي قصة تستحق الذكر في هذا الإطار. ففي عام 2010 قررت الإمارات إيقاف خدمات البيانات على هواتف بلاكبيري بشكل كامل، نظرًا للتشفير المعقد الذي توفره هذه الأجهزة لمستخدميها من أجل حمايتهم.

حاولت أبوظبي على مدار 3 سنوات، بداية من 2007، الضغط على الشركة من أجل إعطاء حكومتها مدخلًا خلفيًا لتجاوز التشفير، وبناء خوادم الشركة على أراضي الإمارات بحيث يسهل التحكم فيها، رفضت الشركة في البداية، فقررت الإمارات حجب الخدمة تماماً في أكتوبر/تشرين الأول 2010، بحجة “عدم التزام الشركة بقوانين سلطات الاتصالات في الإمارات”.
وعندما أعلنت الإمارات عن حجب الخدمة، كان ذلك قبل شهر فعلي من تنفيذ الحجب، وهو ما فسّره المراقبون حينها بأنه رسالة من السلطات الإماراتية لشركة RIM مصنعة هواتف بلاكبيري كي تعيد التفكير في عرض أبوظبي.
لم ترد الشركة أن تخسر أكثر من 500 ألف مستخدم إماراتي، ولذلك فقد توصلت إلى اتفاق ما مع السلطات الإماراتية، وهو اتفاق يمكن تصور فحواه إذا علمنا أن روسيا والصين والهند، التي كانت قد قررت منع خدمات بلاكبيري هي الأخرى في أوقات سابقة، عادت لتسمح ببيعه، إلى حد أن شركتي الاتصالات الرئيستين في روسيا (المعروفة بسيطرتها التكنولوجية الكبيرة) قامتا ببيع الهاتف في منافذ بيعها الرسمية.
لم تعلن الشركة أبداً عن خضوعها للحكومات، وأكدت طوال الوقت على أمان مستخدميها، لكن السر صار يعرفه كثيرون، وكان ذلك هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انهيار شركة RIM وهاتف بلاكبيري.
في مارس/آذار 2015 تحدثت مصادر صحفية عن إطلاق اسم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على الطريق الواصل بين القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة في مصر. الرمزية تبقى صالحة مرة أخرى للتعبير عن الواقع، فمن دون التدخلات التي قادها محمد بن زايد لما كان بالإمكان وصول الرئيس الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى الحكم مسقطاً التجربة الديمقراطية الأولى في تاريخ مصر. منذ ذلك الحين تسير مصر في طريق يبدو مرسوماً من أوله لمنتهاه بقلم إماراتي يحمله محمد بن زايد.

Exit mobile version