الألتوماتوم التوابع التي تحكي انتفاخا صولة الأسد
أبو يعرب المرزوقي
لغة “الألتوماتوم” ومنطقه لا يقبلان من التوابع الذين لا يتجاوز سلطانهم سلطان أي وال في محمية يتلقى أصحابه الأوامر من سادتهم الذين يحتمون بهم. أليس هو ألتوماتوم هم فيه مجرد ابواق لصاحبه، أعني ناتن ياهو وترامب بوصاية عميلهما الأول السيسي الذي أقحموه في نصه طرفا رابعا ليس من الخليج؟
اليوم يوم عيد. المفروض ألا أملي هذه التغريدات. لكن الجهاد لا يتوقف في الأعياد. والكلام في الألتوماتوم جهاد يعم كل العرب بل، وكل المسلمين. ذلك أن الغاية منه هو ضرب الملجأين الوحيدين المتبقيين للربيع ولفلسطين: قطر وتركيا. وتونس بالذات هي أول المعنيين، لأنها رمز الربيع الصامد. فلست تونسيا بالمعنى القائل بالانفصال عن وحدة الأمة، بل تونسي بمعنى الانتساب إلى عاصمة الفتح في المغرب الإسلامي ورائدة مميزي حضارة العرب. إنها عاصمة فلسفة النقد الأدبي والشعري، وعاصمة فلسفة التاريخ والنقد التاريخي. ثم هي قاعدة انتشار الحضارة العربية الإسلامية في افريقيا وأوروبا. وهي الآن، رغم أنف المستلبين من نخبها، منطلق الربيع ثورة التحرر عن الاستثناء من قيم الحداثة التي هي عين قيم ثورتي الإسلام الروحية والسياسية. وهي إذن مستهدفة قبل كل بلاد الربيع لاستعصائها أولا، ولأن بقاءه فيها دليل على قابليته عنفوانيه للاستئناف في موجات ستقتلع الاستبداد والفساد.
والذين أمروا بتبليغ الألتوماتوم، هم من يمول الانقلابات ويحرض على ملجأي ضحايا عميل إسرائيل الذي احتل مصر واذل شعبها وأهان ثقافتها وألغى دورها. فمن واجب كل تونسي حر أن يعتبر نفسه مستهدفا بهذا الألتوماتوم وأن يجاهد بلا هوادة حتى يوم العيد كل بما يملك من وسائل الجهاد فرض عين على العباد. لست أدافع عن قطر وتركيا. رجالهما من هم أولى مني بالدفاع عنهما. وقد بينت نخبهم أنها أنضج ألف مرة من الهرين اللذين يحكيان انتفاخا صولة الأسد.
ولأختم بملاحظات حول إدارة الأزمة الحكيمة: دبلوماسيا وإعلاميا مع التوقي من إمكانية التطور إلى العلاج العسكري. سأقول: “برافو” لمن حاصر من حاصروه. برافو للدبلوماسية المتكاملة: ثقة في النفس جعلت الدبلوماسية القطرية تستعمل برودة دم فاقت الانجليز بردود هادئة وثقة المستعد لكل الاحتمالات. وقد صحبها دبلوماسية تركية تكملها بدبلوماسية العمق الاستراتيجي الذي يوفق بين أسلوب الناصح المهدد في آن بالتذكير بوحدة قطر وتركيا في المعركة. وبقدر ما كان الخطاب في البلدين المستهدفين ناضجا، بوصفهما ملجأ الربيع وفلسطين، كان خطاب الناطقين وذيليهما باسم ناتن ياهو وترامب متشنجا وصبيانيا.
ستنتهي الأزمة بحل يفضح البوقين: فصاحبا الألتوماتوم الفعليان سيضطران لأمر بوقيهما بالتراجع، لأن الخطوة الموالية مستحيلة في الوضع الراهن. لا يمكن لناتن ياهو وترامب أن يعلنا الحرب صراحة على قطر وتركيا، وهما يعلمان أن ذلك إيذان باشتعال الإقليم. سيلجآن للمطاولة والاستنزاف. وأعني بالمطاولة والاستنزاف حرب العقوبات وتجميد الحسابات الموجودة في الغرب. وذلك ما لا أعتقد أن قطر وتركيا لم تستعدا له. وإن لا، فلتفعلا. وهذا ما يعني قرارا استراتيجيا يمكن أن يسهم في دور كبير لهما في نظام العالم الجديد: الانضمام إلى حلف دولي مضاد يكون فيه للصين الدور الأول. لكن الانضمام إلى الحلف ينبغي أن يكون بشروط تحفظ الاستقلال والندية لئلا يكون الهروب من “القطرة إلى الوقوف تحت الميزاب” بالمثل التونسي.
ولتكن البداية بحماية أموال البلدين ضد التجميد المحتمل والعقوبات التي هي أداة حرب الاستنزاف الأمريكية التي لا تؤثر إلا في من لم يستعد لها. لكن ينبغي ألا ينسى من ينضم للحلف مع الصين، أنها لا تغامر فتحمي أحدا، لأنها ما زالت في طور الاستعداد للندية مع الولايات المتحدة. هي ملجأ نسبي. يمكن أن يحمي رؤوس الأموال والثروات التي تنقل من الغرب إليه، لكنه لن يحمي أصحابهما في حرب محتملة. والملجأ حينها ليس هو شيئا آخر غير الشعوب. فمن حمى تركيا ضد الانقلاب (بداية أولى فشلت فكانت البداية الثانية في قطر) الشعب التركي. ومن سيحمي قطر هو الشعب القطري وشعوب الربيع وفلسطين.
فلا يستهينن أحد بدور الشعوب: ففي حروب المطاولة الشعوب هي المنتصرة دائما لأن أمريكا وإسرائيل وروسيا وإيران كلهم عاجزون أمام شعوب الإقليم. والحذر كل الحذر تصور إيران يمكن أن تكون حليفا لثورة الشعوب: فهي غازية وليست حليفا. وهي أخطر حتى من إسرائيل. يشتركان في استهداف الأرض والروح. لكن استهداف إسرائيل للروح لا تتجاوز النخب، في حين أن استهداف إيران يصل إلى الشعب العادي بدعوى تمثيل آل البيت. وهذا مؤثر لا تملكه إسرائيل.