يروي المؤرخ Shlomo Sand ما أسماه طرفة ييديشية (الييديش هم اليهود الخزر) تنضح تهكما ذاتيا وتجلد التقوقع في الأخلاق اليهودية:
تقول الطرفة: إن أمًّا يهودية رافقت إبنها الذي سيجند في جيش القيصر الروسي أثناء حرب القرم (القرن التاسع عشر).
في دائرة التجنيد وأثناء لحظات الوداع دسّت له شطائر (فطائر) في حقيبته وهمست في أذُنه “أقْتُل تركيًا ولا تنس الجلوس لتناول طعامك بعد ذلك”. ثم تلفّ شالاً سميكا حول رقبته قائلة “وحين تطلق النار على التركي إياك أن تعرض نفسك للريح”. يرد الفتى “حسنا يا أمي”. وتواصل الأم وصاياها؛ “والأهم عليك بالخلود إلى الراحة بعد كل مرة تقتل فيها تركيا”. بالتأكيد يجيب الفتى المجند والدته وفجأة يستدرك “وماذا لو قتلني التركي يا أمي؟؟”.
فتنفتح عينا الأم مندهشة متسائلة:
“ووووه لماذا يقتلك؟ أي أذى سبّبتَ له كي يقتلك؟؟”?
قضى آل الحجلاوي عيدا حزينا وهم يشيّعون جثمان إبنهم الملازم الأمني شهيد الواجب جراء حروق بالغة التهمت جسده في سيارة خردة أطبقت عليه ساعة المأساة.. شاركهم الحزن سائر ساكنة ولاية سيدي بوزيد وكل من سمع بالمأساة وظروفها البشعة?
تحركت ماكينات الإستبداد مطالبة بتجريم الإعتداء على الأمنيين أثناء أداء وظيفتهم؛ وسبقته مطالب حقهم في حمل السلاح خارج العمل!!!
ترى أي عمل يتعرضون فيه للأذى؟؟؟ وأي أذى يتسببون فيه لغيرهم؟؟؟
هل يطالبون بقانون لحمايتهم أم بقانون يمنحهم الحصانة؟؟؟
ترى أي عمل يتعرضون بموجبه للأذى؟؟؟
الأمنيون (جهاز مسلح) يزج بهم سيستام يقوم على الإذلال الوطني والإجتماعي في مواجهة ضحاياه…
لا تختلف القاعدة العريضة للأمنيين عن بقية ضحايا السيستام في ظروف عيشهم الصعبة. فقط ظروف عملهم تضعهم في مواجهة أشباههم في المعاناة…
منذ أيام حدثني الأسعد البوعزيزي – تعليقا على تردد فرقة الإرشاد السياسي هذه الأيام على مقر عمله للسؤال عنه – قال:
ساعة اُعتقِلْتُ أول مرة في تسعينات القرن الماضي؛ أول ما لفت إنتباهي تلك اللوحة الكبيرة المعلقة في مدخل الإستقبال عن واجبات الأمني أثناء أدائه عمله… يقول الأسعد: كدت انقض على البوليس لأطبع قبلة على جبينه… وكان ما كان أثناء التحقيق حتى أني كنت أتساءل هل هؤلاء هم أعوان البوليس الوطني الذي كنت اقرأ عنهم أم تمّ تخديري وتسليمي لقوى إحتلال؟؟؟
ثار التونسيون ذات ديسمبر… ورأينا بُعيد فرار صانع جريمة السابع، مسيرات الأمنيين في كل برّ تونس يهتفون “أبرياء أبرياء من دماء الشهداء”. ورأيناهم يستفيدون من طوفان الحريات الذي عمّ البلاد غِبّ ارتخاء القبضة البوليسية على البلاد… تنظّم الأمنيون في نقابات… ورآهم العالم لأول مرة على الفضائيات يشرحون وجهات نظرهم… ورآهم في الشوارع يتظاهرون ويعتصمون وحتى يقطعون الطريق… ورآهم يرفعون الشعار الديسمبري “ديغاج” في وجه ثلاث رئاسات أفرزتهم أول إنتخابات محررة من التعليمات!!!
تحسنت المعاشات بشكل أسطوري ما كان ليتم لو لا العصيان المدني الذي مارسه ضحايا السيستام وقمعه أعوان السيستام!!
السؤال:
نعم لحماية الأمنيين؛ لكن ممّن؟؟؟
من العزّل الذين يدافعون عن حقهم في الحياة التي صادرتها عصابة السراق؛ أم حمايتهم من عصابة السراق التي تزج بهم في مواجهة من يشبهوهم في المعاناة هناك في بلدات الغبن التنموي والمعنوي؟؟؟!!!
– كلما اشتبك الأمنيون مع ضحايا السيستام المعارضين (مقاومو النظام)، إلا وكان البوليس قاتلا… آخر نموذج شهيد الكامور!!!
– كلما اشتبك الأمنيون مع ضحايا السيستام البلطجية (صناعة النظام)، إلا وكان البوليس مقتولا… آخر نموذج شهيد بئر الحفي!!!
النقابات ليست وظيفتها منح الحصانة في مواجهة الضحايا بل وظيفتها حمايتكم من تعليمات عصابة السراق؛ لو تعلمون!!!
ترى هل هذه نقاباتكم أم نقاباتهم؟؟!!
طيب ثمة 10 بالمائة تجاوزات يرتكبها الأمنيون أثناء أداء عملهم مصدرها جهل بالقانون أو تجاهل للقانون وفقر دم مدقع في مادة حقوق وكرامة البشر… لكن ثمة 90 بالمائة من التجاوزات التي يرتكبها الأمنيون أثناء أداء عملهم مصدرها طبيعة منظومة الترويع والتجويع والتبعية والتطبيع (سيستام الإذلال يستبيح 80 بالمائة من ساكنة البلد ويزج بـ 10 بالمائة منهم لحماية 20 بالمائة لصوص مجرمين!!!).
————– هنا مأساتكم أيها الأمنيون.. هنا أعداؤكم أيها الأمنيون… هنا مأساتكم وأعداؤكم أيها العزّل المدنيون المذلولون في كل بر ّتونس؛ دواخل وسواحل، شمالا وجنوبا… فلا تطلقوا رصاصكم إلى نحوركم!!!