كلّما تذكّرتهم هجرت القرآن…
عبد اللطيف علوي
لم تخدعني يوما جباههم العريضة النّاصعة ولا لحيّهم الطّويلة… أبدا…
أولئك الّذين أرادوا من الدّنيا كلّ شيء، ومن الآخرة كلّ شيء..
لم يقبلوا القسمة أبدا في أيّ شيء..
أرادوا أن نراهم في صورة جبال من التّقوى والورع والخشوع، فتباكوا وشهقوا وامتخطوا، وهم يؤمون المصلّين في الحرم المكّي، ويتلون القرآن في ليالي التراويح، بأصوات رنّانة لم يجرّحها سوء الحال ومذلّة السّؤال…
أرادوا القرب من السّلطان بالشيطان، فتقرّبوا ومالوا معه حيث مال وزيّنوا له كلّ مفسدة وفصّلوا لها الآيات تفصيلا…
أرادوا الغنى والمال، فعاشوا في القصور ولبسوا الحرير وملكوا ذوات اليمين وركبوا السيارات الفارهة وملؤوا خزائنهم حتّى صار قارون على أعتابهم فقيرا معوزا…
أرادوا الصّحة والعافية، فانتفخت أوداجهم وطريت خدودهم وشالت مؤخّراتهم وعرضت أكتافهم وامتلأت أفخاذهم وركبهم والتصقت أوراكهم وانتفخت بطونهم حتّى تقطّعت الأحزمة…
هم يريدون أن يأخذوا كلّ شيء، ويفعلوا كلّ شيء، ولا نلومهم على أيّ شيء، ولا نحسدهم في أيّ شيء…
أمثال السديس والخُمَيْس والتُّعَيْسِ وحسّان وعمرو خالد والعريفي والقرني وكلّ أولئك الّذين اختاروا كلّ شيء، الدنيا بكلّ مزابلها ومباغيها ومجاريها والآخرة على مقاس أحذيتهم وعمائمهم.
يحزنني فقط شيء واحد:
أنّني كنت أستمع إلى أحدهم وهو يتلو القرآن، فأبكي…
اليوم أفعل المستحيل، كلّما قرأت القرآن، كي أنزع أصواتهم من أذني فلا أستطيع… صارت تسبب لي طنينا مستمرّا وصداعا لا يتوقّف، يكاد يصيبني بالجنون والصّرع… من يعيد لي الخشوع؟… كيف أسمعهم يقرؤونه ثمّ أتذكّر فتاواهم في دماء رابعة، كيف أحرّر القرآن منهم وأتحرّر… كلّما تذكّرتهم هجرت القرآن…
رحماك ربّي…!
اللّهمّ إنّي أستغفرك وأتوب إليك!