ما الذي يجعل جل “دول” الخليج تجمع على محاصرة أفضل تجربة عربية في محاولة الاستماع إلى صوت الشعوب وجعلها تعبر بقدر محترم عن إرادتها؟
كلنا يعلم أن السياسة معادلة معقدة جدا للترابط الوثيق في الفعل التاريخي الحقيقي بين الإرادة والقدرة. وإذن فتقويم السياسات محكوم بهذه النسبة.
ما فعلته قطر، لخدمة الوعي التحرري في بلاد العرب بمشروع “الجزيرة”. وفعل التحرير، بفتح أرضها للكثير من مضطهدي الأمة بهذا المعيار مما يذكر فيشكر. فليست قطر دولة عظمى فنطالبها بالمزيد، متجاهلين قوة محاصريها من أعداء حرية التعبير والتعدد السياسي من الدكتاتوريات العربية والقوى الاستعمارية.
وها نحن نرى اليوم جل دول الخليج تبلغ ذروة المحاصرة الفعلية برا وبحرا وجوا، فضلا عن العزلة الدبلوماسية التي يراد تعميمها بمساعدة أعداء الأمة. وبيّن أن لهذا صلة مباشرة بالقمم الثلاث التي انعقدت مؤخرا برئاسة ترامب وبتوصية من إسرائيل، عربونا تقدمه للأنظمة التي باعت قضايا الأمة علنا. وذلك موصول بأمرين بينين للعيان، عرفناهما سابقا في الدول المحيطة بإسرائيل مباشرة: الاحتماء بها، والقبول بكل التنازلات لفرض وريث معين في الحكم.
والآن نفس الظاهرة شرعت في تفجير الأسر الحاكمة في الخليج، وخاصة في أكبر “دوله”. وأضع “دوله” بين نوشتين لأنه لا توجد دول عربية، بل كلها محميات. وإذا حاولت إحداها الخروج عما يرضى عنه الحامي، يطلب من المحميات المحيطة بها محاصرتها: وهذا هو الذي يحصل الآن. والهدف تصفية القضيتين الكبريين.
– والقضية الثانية، هي تصفية القضية الفلسطينية نهائيا.
محاصرة قطر ترد إلى عاملين عامين، هما الجزيرة، ولجوء المعارضين تعينا ووجود بعض الفارين من هولوكوست المعارضات العربية، وعلى راسهم بعض رموز فلسطين. وكانت القضيتان العامتان، وحتى تعينهما، مقبولتين ولو على مضض قبل حصول ما عجل بهذا التسونامي: ميل شعب الخليج للثورة ومعركة التوريث في السعودية. وميل شعوب الخليج للثورة مع سلامة الفطرة وحب الإنسان للحرية والكرامة، قوته أزمة البترول علة عجز الأنظمة المستبدة عن رشوة المواطنين لإسكاتهم. ومعنى ذلك أن أحرار الخليج، فضلا عن حب الحرية والكرامة الفطري، وجدوا فرصة للتعبير عن آلام الشعب التي بدأت تطل برأسها كحال شعوب الربيع العربي.
وإذن، يمكننا القول إن التسونامي الخليجي الحالي ترتب على الربيع العربي، وبصورة أدق، على محاولات الثورة المضادة إيقاف أثره في أحرار شعب الخليج.
أما الكلام على العلاقات مع إيران، فكذبة مفضوحة وخدعة بينة: فكل البلاد التي قطعت العلاقة مع قطر، لها علاقتها بإيران أقوى من علاقة قطر بها. القضية كلها تعود إلى مساعدة قطر للربيع العربي ولحماس. والثورة المضادة تحتاج للحماية الإسرائيلية لهذا وللتوريث، وثمنها رز السيسي وبيع فلسطين.
لكني متفائل. فالشعوب استفاقت وشرعت في مراحل الحركة الثورية: القلب، فاللسان، فاليد. لذلك فإذا واصلت الثورة المضادة محاصرة قطر، فربيعها آت حتما. ذلك أن الانظمة لم تعد قادرة على رشوة المواطنين، وطالب الرز لا يشبع، ومن ثمّ، فهذه آخر “خرطوشة” في جعبة عملاء اسرائيل وأعداء الإسلام.
أنا مطمئن.