الطيب يحقّ عليه رمضان

الطيب الجوادي
وأخيرا، أعلمتني هنيّة بنبرة جازمة وهي تحتضنني أنه “يحقّ عليّ رمضان” وأنه عليّ ان أصوم كامل الشهر من الفجر إلى المغرب!
– ونتسحّر معاكم ونفطر معاكم؟ سألتها وانا أشعر بالزهو لأنني أصبحت رجلا مثل المنصف ولد عمّي، ولن تعيّرني نعيمة بأنني “ما نصومش لخاطر مازلت ذرّي”.
– تتسحّر وتفطر معانا، أجابتني هنيّة وابتسامة دافئة تضيئ وجهها، وأردفت، اما رد بالك تقول جعت وإلاّ عطشت قبل المغرب، يلزمك تنقص من الجري واللعب باش ما تعطشش”.
– باهي يمّة، أجبتها وأسرعت أزفّ الخبر للمنصف ونعيمة، اللّذين تقبلا الخبر ببرود أثار حنقي، فتساءلت مستغربا:
– وشبيكم ما فرحتوش ليا، نا وليت راجل، وتو تشوفو كيفاش لا نجوع لا نعطش.
باهي، أكاهو، سمعناك أجابني المنصف متأفّفا، في بالك ساهل الصيام؟ تي كان تصوم للعشرة متاع الصباح راك راجل.
وكان عليّ أن أكسب الرّهان وان أثبت للجميع أنني “راجل” وأصبر على الصوم.

أيقظتني هنيّة للسّحور، فحرصت على شرب اكبر كمية ممكنة من الماء، وأتيت على “نصف شقالة كسكسي بالرايب”، وحرصت بمجرد أن استيقظت من النوم ان أتجنب السير “تحت الشمس”، وان أبذل أي جهد، ولكننا كنا في اوج موسم الحصاد، وكنت مطالبا بنقل شكائر القمح من الحقل لساحة أمام المنزل على ظهر حمارنا، وكان علي ان اعبر النهر، وكان الحمار يحرن في كل مرّة ويرفض العبور مما يضطرني إلى بذل جهود مضاعفة لإجباره على تجاوز مجرى الماء، مما ينهك قواي ويغرقني في بحر من العرق.
فلم تحلّ الساعة العاشرة إلا وقد بلغ بي العطش مبلغه وشاطت كبدي، ولم أعد قادرا على الاحتمال، فتركت الحمار والشكارة وأسرعت لهنية التي صرخت فزعة: “هاك شحت من الماء”، وراحت تبلل جسدي وتحثني على شرب الماء، وإلا فإنني سأموت بسبب العطش.
ولكني أزمعت ان أكمل الصوم حتى النهاية كلفني ذلك ما كلفني فقد كانت نعيمة تراقب المشهد وعلى شفتيها شبة ابتسامة، تشي بسخريتها واستخفافها وشماتتها، وكان عليّ أن أثبت لها وللمنصف ولد عمي، انني رجل كامل الرجولة وانني لن انهار وأُفطر منذ الساعة العاشرة كما تنبآ ساخريْن قبل ايام.
أدركت هنية بذكائها الفطري أنني أصرّ أن اكمل الصوم عنادا، مع انني أحتاج لشرب الماء فورا، فهمست لي:
– اشرب الماء وكمل الصيام، ما نڤولش للمنصف ونعيمة.
– وربي يحسبني صايم؟ سألتها، ونحل معاكم الفطر؟
– نعم اجابت وقد غلبها الضحك.
وبعد أن تناولت نصف قربة معطرة بالڤطران ماء، أسرعت للمنصف ونعيمة لأعلمهما انني قررتُ مواصلة الصّوم، فأسقط بيديهما وأبديا استغرابهما، ومع ذلك اقتربت مني نعيمة بنت عمي وهمست لي:
– من اليوم وليت راجل الطيب ولد عمّي، وكم كانت هذه الجملة ستسعدني وتملؤني فخرا وزهوا، لولا انني أعلم أنني “لم ابلغ بعد مبلغ الرجال، ولم استطع أن أصوم طيلة اليوم”.

Exit mobile version