في طبيعة النظام واستضعاف الثورة
الحبيب بوعجيلة
يجب أن يكون واضحا في الأذهان أن قوة “النظام” التونسي التي جعلته يعيد انتاج نفسه سريعا بعد هروب رأسه نابعة من تشبيك الفساد وتعميمه على ادارته العميقة وتوسيع قاعدة من ترتبظ مصالحهم ببقائه من موظفين كبار ورجال مال وعدد كبير من الماسكين بالسلاح والقضاء نزولا الى أدنى الطبقات من المخبرين والأذرع والوسطاء والمستفيدين من الدولة الزيائنية.
التشبيك مع القوى الدولية أيضا عنصر أساسي في استمراره حيث يصنف النظام التونسي ضمن النظم ذات الطبيعة التابعة والعميلة.
ما سبق يجعلني أبعد الناس عن توهم العسل الاصلاحي من مؤخرة منظومة الحكم الحالي وأبعد عن بث الأوهام التي يمارسها قادة تزييف الوعي باسم التفاؤل من المستفيدين من خديعة التحيل الانقلابي المسمى انتقالا ديمقراطيا.
لا شك أن الثورة التونسية حققت مكسب هروب رأس النظام واربكت الجسم وصدعته ومكنت أجساما أخرى من دخوله اضافة الى تغير تعامل القوى الدولية الراعية مع النظام وتناقض مصالحها وهذه عوامل مجتمعة تجعل النظام حاليا في حالة ضعف ووهن لكنها لا تؤكد امكانية سقوطه.
لقد صمد هذا النظام بعد انتخابات 2011 واستطاع أن يعطل ثم يطرد الوافدين الجدد عليه كما انه أثبت أنه يملك باستمرار قدرة على تجميع أشلائه حين يتعلق الأمر بخطر يهدده بكل شقوقه واستطاع أن يخترق الطبقة السياسية الجديدة كلها بما في ذلك ما يسمى بالاحزاب الثورية التي أصبح للنظام موطئ قدم داخل هياكلها القيادية والقاعدية. كما ان النظام بخطوطه المختلفة قد استثمر جيدا في التحولات الدولية ليخرج مدعوما في بنيته العامة بقطع النظر عن الشق الذي يسنده “المسؤول الكبير” وهو يغير الشقوق القائدة للنظام باستمرار في مهارة ظاهرة.
ان اسقاط النظام مازال مهمة مطروحة على القوى الشعبية التي لن تتحقق طموحاتها الا بسقوطه ولكن انتظار سقوط او تآكل هذا النظام من خلال منظومة الانتقال الحالي وعبر آليات الوضع الدستوري الراهن يبدو مجرد وهم جميل يضمن الاستقرار اللازم ولكنه لا يحقق الانتظارات التي يبديها عدد من المتابعين الذين يفكرون بمنطق ثوري دون ان يمارسوه في سياق انقلاب ثورة مضادة تنجح باستمرار رغم ضعفها الذي يتحول قوة مع طبقة سياسية مرتهنة او غبية.