تدوينات تونسية

أنجيلا ميركل وحق تقرير المصير الأوروبي

مولدي بن علية
بعد التصرح الأخير الذي صرحَّت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم الأحد الفارط 28 مايو/أيار 2017 الذي يمكن أن تُختزل مخرجاته في نقطتين أساسيتين وهما الإشارة إلى تدهور العلاقات بين ألمانيا والولايات المتحدة ومن ثم توجيه الدعوة للدول الأوروبية من أجل حماية السيادة الأروبية من النفوذ الأمريكي حيث وجهت الدعوة بطريقة مباشرة إلى ماكرون قائلة: على الأوروبيين أن “يتولوا مصيرهم بأنفسهم” لمواجهة البريكست والرئاسة الأميركية و”سياستها التي أسفرت عن إضعاف الغرب” وأن “الزمن الذي كانت الثقة فيه سائدة، وكان بإمكاننا الاعتماد كلياً على بعضنا البعض قد ولَّى. هذا ما اختبرته في الأيام الأخيرة” وأضافت “علينا نحن الأوروبيين أن نتولى مصيرنا بأنفسنا وعلينا أن نقاتل من أجل مصيرنا”.
قد يرى البعض أن هذه المواقف لا تتجاوز في مضمونها ردود أفعال ظرفية وحينيّة جاءت كنتيجة لتراكم ممارسات ترامب تجاه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منذ مارس الفارط حينما صنع ترامب الحدث ولم يصافح أنجيلا ميركل خلال استقباله لها في المكتب البيضاوي، على غير عادته خلال مقابلاته مع الرؤساء والقادة منذ تنصيبه في شهر يناير/كانون الثاني الماضي ورغم مصافحته كذلك للضيوف الرؤساء الآخرين، لكن الدعوة إلى حق تقرير المصير الأوروبي بنمطق القوة (تصريح ميركل عن إضعاف الغرب) واستحضار الذات الغربية (“نحن الأوروبين”) التي تستبطن مركزيتها كذات يجب أن تكون القوة الأولى التي تعلو باقي دول العالم وبالتالي تبَرّر من خلال هته المركزية أحقيّة الهيمنة والسيطرة على باقي الأمم الأخرى التي حكمت عليها بالقصور والتخلف وحكمت عليها بعدم إمكانية التطور والتقدم إلا وفقا لسردية الحداثة الغربية التي تلغي في مضمونها أحقيّة تقدم وتطور الشعوب الأخرى من داخل تجربتها التاريخية وطبقا لسياقها الثقافي البالغ في الخصوصية.
الهيمنة والسيطرة والإخضاع الكولونيالي التي دائما ما تسارع به الذات الغربية، يفرض على من يشتغل في الحقل الفلسفي والفكري أساسا شكل ونمط آخر في التفكير تتجاوز مقاومة الغرب كعدوّ سياسي بل كنموذج للكينونة مفروض على العالم الحالي فتتجاوز الأنماط الكلاسيكية للمعرفة الإنسانية التي لم تتخلص بعد من المركزية الأوروبية التي تمثّل أحد مسلماتها حسب تعبير كريستوف فولف في كتابه “الإناسة، التاريخ والثقافة” أن الذات الغربية هي الذات العارفة والآخر موضوعا لها.
بناء حقول مفهوميّة لمقاومة هذا الشكل الإمبريالي للثقافة هو ما يجعلنا متربصين ومترصدين لكل محاولات تبرير حالة الإستتباع أحادية الإتجاه ويجعل من العقل الأوروبي الكولونيالي موضوعا للدراسة والإستقصاء والبحث وفقا للسياق التاريخي الشامل بمعزل عن سردية التقدم الغربي الذي يمثل الإستعمار أقصى مسوياته.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock