أبو يعرب المرزوقي
الخلط بين مفهوم الفساد الخلقي، وحتى الديني، ومفهومه القانوني، يميع القضية ويحول دون العلاج القانوني الذي هو الوحيد الممكن سياسيا وبصورة شفافة.
هذه رابع مرة أكتب في الفساد. بدأتها قبل الحملة الزائفة على الفساد فتكلمت على نوعيه البنيوي والظرفي، أو الجوهري والعرضي، وهي الأصل في القضية.
ثم كتبت يوم أعلنوا عن بداية الحملة بالخطف الذي ليس للقضاء به علم، وبينت أن الأمر لا يتعلق بالحرب على الفساد بل بمعركة بين بارونات الفساد.
وعبرت عن خوفي من معركة المافيات لأنها أكثر خطرا من الفساد، وخاصة إذا تدثرت بزعم التصدي للفساد. لأنها حينها تكون معركة التغطية على ما أخطر منه.
ثم كتبت عن الفساد الرسمي، وهو تحويل الدولة إلى بقرة حلوب للنافذين الذين يتقاسمون خدمات الدولة للارتزاق حكما ومعارضة ونقابات أعراف وعمال.
والآن أريد أن اميز بين المفهومين:
– الفساد القابل للعلاج القانوني،
– الفساد القابل للعلاج الخلقي.
الأول يبدأ بعلاج جذره، أي فساد منظومة الحكم والمعارضة. ذلك أن هذا الجذر لا يقتصر على الفساد بمعنى استغلال ثروة الشعب، بل هو يتعداه إلى طريقتين في التخلي عن السيادة. فاستغلال الدولة يفلسها وقد فعل، وإفلاسها يؤدي إلى رهن إرادتها بالتداين، وهو قد حصل. وقد بينت أن كل الشركات الوطنية أفلست بسبب تحميلها ما لا طاقة لها به: توظف أضعاف حاجتها.
ثم إن الدولة نفسها وأحزابها الحاكمة والمعارضة كلها، تتمعش من الدولة بخلق وظائف وهمية، ويكفي رمزا لذلك كله أن عشرة مليون وزراؤهم أكثر من الصين، فوزراء ستين سنة من الحكم يجازيهم الضمان الاجتماعي تقاعدا وزاريا، وأن لتونس الآن حوالي ستة وزراء أول، وثلاث رؤساء جمهورية، فافهم كلفة “الدولة”.
لكن الأخطر هو ما أريد عرضه اليوم: الخلط بين المفهوم القانوني والمفهوم الخلقي يؤدي إلى كل الانحرافات السياسية التي تحول دون العلاج السوي.
وأولى نتائج هذا الخلط، امتناع تحقيق طرق المصالحات بين الدولة والمخالفين للقانون: فمشروع المصالحة الذي يقترحه رئيس الدولة يخلط بين المفهومين.
ذلك أن جل الذين يتعلق بهم ملف الفساد، يمكن علاج قضاياهم بمجرد تطبيق القانون عليهم، ولا حاجة لنقل المسألة إلى ما يوهم بقلب الصفحة بشبه عفو.
ولهذه العلة، استعملت مبررات خلقية سياسية، وذلك بضم الإداريين والمسؤولين السياسيين في ملف من المفروض ألا يوجد أصلا، ويكفي فيه تطبيق القانون.
يكفي تصنيف التعديات عليه: إما إزاء الجباية أو الجمارك أو لعدم الوفاء بالعقود مع الدولة فيما يتعلق بالخدمات التي عهد بها لأرباب الأعمال.
وما بقي من المخالفات هو بدوره قابل للتصنيف، إما إلى ما ينتسب إلى خيانة الأمانة السياسية أو القانونية.
والخيانة الأولى أشد وطأة وعقابها أكبر.
أما محاولة التبرير بحاجة الاقتصاد لتمويل الاستثمار، وبحاجة الإدارة للمبادرة، فهما كذبة تحاول أن تضفي على الأمر بعدا خلقيا وسياسيا: حاجة الإنقاذ.
وهنا يأتي الرد على التبرير الخلقي المقابل، وهو أن حاجة الإنقاذ لا تكون بتبييض الفساد في شكل عفو مقنع، مفاده الإفلات من العقاب.
وفي الحقيقة، فإن ملف مكافحة الفساد أصبح شهادة على أن الفاسدين هم الذين يريدون قلب الصفحة بالتضحية بالفساد الأصغر حتى يبقى الفساد الأكبر.
والفساد الأكبر، هو تحريف القانون تحريفا صورته المثلى هي المصالحة، ليس بين الشعب ودولته وبينه ونخبته، بل العفو على المجرمين ليواصلوا إجرامهم.
وعبرت عن خوفي من معركة المافيات لأنها أكثر خطرا من الفساد، وخاصة إذا تدثرت بزعم التصدي للفساد. لأنها حينها تكون معركة التغطية على ما أخطر منه.
ثم كتبت عن الفساد الرسمي، وهو تحويل الدولة إلى بقرة حلوب للنافذين الذين يتقاسمون خدمات الدولة للارتزاق حكما ومعارضة ونقابات أعراف وعمال.
والآن أريد أن اميز بين المفهومين:
– الفساد القابل للعلاج القانوني،
– الفساد القابل للعلاج الخلقي.
الأول يبدأ بعلاج جذره، أي فساد منظومة الحكم والمعارضة. ذلك أن هذا الجذر لا يقتصر على الفساد بمعنى استغلال ثروة الشعب، بل هو يتعداه إلى طريقتين في التخلي عن السيادة. فاستغلال الدولة يفلسها وقد فعل، وإفلاسها يؤدي إلى رهن إرادتها بالتداين، وهو قد حصل. وقد بينت أن كل الشركات الوطنية أفلست بسبب تحميلها ما لا طاقة لها به: توظف أضعاف حاجتها.
ثم إن الدولة نفسها وأحزابها الحاكمة والمعارضة كلها، تتمعش من الدولة بخلق وظائف وهمية، ويكفي رمزا لذلك كله أن عشرة مليون وزراؤهم أكثر من الصين، فوزراء ستين سنة من الحكم يجازيهم الضمان الاجتماعي تقاعدا وزاريا، وأن لتونس الآن حوالي ستة وزراء أول، وثلاث رؤساء جمهورية، فافهم كلفة “الدولة”.
لكن الأخطر هو ما أريد عرضه اليوم: الخلط بين المفهوم القانوني والمفهوم الخلقي يؤدي إلى كل الانحرافات السياسية التي تحول دون العلاج السوي.
وأولى نتائج هذا الخلط، امتناع تحقيق طرق المصالحات بين الدولة والمخالفين للقانون: فمشروع المصالحة الذي يقترحه رئيس الدولة يخلط بين المفهومين.
ذلك أن جل الذين يتعلق بهم ملف الفساد، يمكن علاج قضاياهم بمجرد تطبيق القانون عليهم، ولا حاجة لنقل المسألة إلى ما يوهم بقلب الصفحة بشبه عفو.
ولهذه العلة، استعملت مبررات خلقية سياسية، وذلك بضم الإداريين والمسؤولين السياسيين في ملف من المفروض ألا يوجد أصلا، ويكفي فيه تطبيق القانون.
يكفي تصنيف التعديات عليه: إما إزاء الجباية أو الجمارك أو لعدم الوفاء بالعقود مع الدولة فيما يتعلق بالخدمات التي عهد بها لأرباب الأعمال.
وما بقي من المخالفات هو بدوره قابل للتصنيف، إما إلى ما ينتسب إلى خيانة الأمانة السياسية أو القانونية.
والخيانة الأولى أشد وطأة وعقابها أكبر.
أما محاولة التبرير بحاجة الاقتصاد لتمويل الاستثمار، وبحاجة الإدارة للمبادرة، فهما كذبة تحاول أن تضفي على الأمر بعدا خلقيا وسياسيا: حاجة الإنقاذ.
وهنا يأتي الرد على التبرير الخلقي المقابل، وهو أن حاجة الإنقاذ لا تكون بتبييض الفساد في شكل عفو مقنع، مفاده الإفلات من العقاب.
وفي الحقيقة، فإن ملف مكافحة الفساد أصبح شهادة على أن الفاسدين هم الذين يريدون قلب الصفحة بالتضحية بالفساد الأصغر حتى يبقى الفساد الأكبر.
والفساد الأكبر، هو تحريف القانون تحريفا صورته المثلى هي المصالحة، ليس بين الشعب ودولته وبينه ونخبته، بل العفو على المجرمين ليواصلوا إجرامهم.