الثورة المضادة تحفر قبرها بيدها
أبو يعرب المرزوقي
ليس من عادتي التعليق على الأمور التافهة والتدخل في أمور من جنس ما أعلمني به مدير الحساب: فتوى بنفي نسب حكام قطر. لو كنت منهم لفرحت بذلك. فالإسلام ألغى التفاخر بالأنساب وخاصة استعمالها أساسا لحق معين، يتجاوز به أهله غيرهم من المسلمين، وبصورة أخص لتأسيس حق معين في حكم جماعة.
فإذا صح أن مفتي بلد الحرمين ايد مثل هذا السلوك، فهو قد أثبت أنه غير جدير بأن يوقع باسم الإسلام. ما هذا! هل صار الدين ألعوبة بيد المتآمرين؟
اعتقد أن ما يجري سيجر الوبال على السعودية، فمن بيدهم الأمر جعلوا غيرهم حاسما في اختيار الوريث، وكل نظام ينهار بمجرد أن يصاب راسه بالهشاشة.
تأملت خيرا عندما أقدم الملك الحالي على التشبيب والاحتراز من المؤامرات، وخاصة على خوض عاصفة الحزم. لكن الأمر انقلب فصارت معركة الخلافة محددة.
وكان يمكن أن يبقى الأمر ضمن الأسرة حتى لا تدفع الأمة كلفة ترهن كل مستقبلها من أجل تقديم زيد إلى عمرو. وفي الامر عدوان علينا: الثمن حرب علينا. لست أتدخل في شأن خاص.
فإطلاق يد السيسي ومموليه، لفرض نموذجه في الحرب على الشعوب، حتى تتحقق أجندة إسرائيل وأمريكا، وحتى أجندة إيران وروسيا.
والحرب على قطر وتركيا علتها أنهما توفران اللجوء والتعبير لمن نجا من جرائم السيسي وإسرائيل وإيران ومن وراؤها من الحماة، أي روسيا وأمريكا.
يريدون أن يطفئوا نور الله والله متم نوره، والثورة لن تخمد بل هي ربما ستنجح عند أعدائها قبل نجاحها عندنا: فالثورة المضادة ستنهار بالانقلابات، ولعل الضوء الأخضر الذي أعطي للسيسي في ليبيا، سيعطى مثله في الخليج، فهو لا يقل طمعا فيما فيه عن إيران: يظن نفسه محمد علي وقد هدد إعلامه بذلك.
وليعلم الجميع أن دخول السيسي إلى ليبيا بداية نهايته: فإذا كان الشعب المصري شعبا مسالما وغير مسلح، فالشعب الليبي قاوم إيطاليا الفاشية وكان ذلك بأدوات بدائية ولا عون له غير الله. واليوم شعب ليبيا تدرب على الحرب، وهو مسلح ومجاهد بالفطرة، ولن يصمد أمامه ماريشال جبان لم يحارب.
والشعب الليبي لم يبدأ، ومن ثم فهو سيكون في وضع الدفاع الشرعي. وما يقوم به السيسي بتمويل إماراتي، وضوء أخضر من القمم الثلاث، هو الإرهاب عينه.
ففيه أولا عدوان على دولة، واعتداء على ثورة، وعدم احترام لإرادة شعب يسعى للتحرر من خائن اسمه حفتر. وحفتر بالتونسية تعني قرآنيا المطفف بكل ميزان.
أعتقد أن كل العرب الذين يبنون آمالهم على السيسي لوأد الثورة، يخطئون الحساب، بل هم يعجلون بنصر الثورة: فالشعب المصري عيل صبره وفاض كأسه.
بداية الثورة في موجتها الأولى كانت تونسية، وأقلمتها كانت مصرية، ودولنتها كانت سورية. وبداية موجتها الثانية بدأت كذلك في تونس، وستمر إلى مصر.
وإذا كانت الموجة الأولى غير محددة المعالم، ومقصورة على المطالب المباشرة، فالموجة الثانية حددها الكامور: ثورة شعب لتحرير شروط سيادته بحق.
ولما كان الوطن العربي كله، والخليج خاصة، بحاجة إلى كامور يسعى لتحرير ثرواته من الاستعمار ونوابه، فقد تبين أن الثورة المضادة تحفر قبرها بيدها.
فإذا انتقلت الموجة الثانية إلى مصر مثل الموجة الأولى، فليقرأوا الفاتحة على ثورتهم المضادة لأن الثورة حينها تكون قد عزمت على الحسم بدءا بمصر.
كنت آمل أن يكون العرب قد أدركوا دلالة الثورة، ففكروا في حل قد يغني عن الاقتتال العربي، لكنهم لم يرتدعوا.
سرعان ما عادت حليمة لعادتها القديمة.