تواصل العقول !!!
سامي براهم
في بداية السّنة الجامعيّة الحاليّة في أحدى حصص الدّرس في كليّة لا تمنع المنتقبات من مزاولة الدّروس، جلست قبالتي طالبة منتقبة، وفي سياق النّقاش حول مسألة من المسائل اخترت أن لا أخفي موقفي من النّقاب والمتمثّل في احترام حريّة اللباس مع عدم اقتناعي بالنّقاب خاصّة في حصص الدّرس واعتبرت ارتداءه في القسم أمرا مستفزّا حيث تضطرّ إلى التّواصل مع شخص بدون هويّة واضحة.
جادلتني الطّالبة بكلّ ثقة واعتبرت أنّ التّواصل يكون بين عقول لا بين وجوه، لم يقنعني كلامها لأنّ وجوه النّاس وابتساماتهم وإشارة انتباه أو اهتمام من أعينهم لكلامك ووجودك هي الحدّ الأدنى للتّواصل الإنساني والعيش المشترك وإلا تحوّل البلد إلى مدن أشباح تتواصل من وراء حجاب.
لكن موقفي لم يكن مدعاةً لممارسة أيّ سلوك تمييزيّ ضدّ الطّالبة المنتقبة.
ومع مرور الأيّام كانت هذه الطّالبة تثير انتباهي فهي أكثر زملائها حضورا في القسم ومشاركة في النّقاش والأعمال البحثيّة، وكانت أفكارها متناسقة من حيث المنهج والمضمون وبلاغة التعبير.
وبعد إصلاح امتحانات السّداسي الأوّل تحصلت الطّالبة على أفضل الأعداد حيث كان أداؤها في تحليل المقالة متميّزا، علما وأنّ الإدارة تحجب الأسماء من أوراق الامتحان مع غياب أي قرينة تحيل على هويّة صاحب الورقة.
لقد كان الإصلاح والتقييم عبارة عن تواصل مع هويّات فكريّة، مع عقول، في غياب تامّ لملامح الوجه.
أنهيت إصلاح فروض السّداسي الثّاني وبعد كشف هويات أصحاب الورقات تحصلت نفس الطّالبة على أفضل عدد متميّزة على كلّ زملائها وزميلاتها، حيث كان أداؤها مرّة أخرى متميّزا في تحليل النصّ.
علما وأن المسألتين المدروستين تتعلقان بقضية من قضايا التجديد في الفكر الإصلاحي المعاصر.
طبعا لن يغيّر هذا موقفي من النّقاب الذي يضعك في موقف تواصليّ غير متكافئ مع شخص يراك ولا تراه فضلا عن التّأويل الدّيني الضعيف للنقاب وما يتعلّق بحريّة المرأة وكرامتها الإنسانيّة ومشاركتها في الحياة العامّة.
ولكن تسرّبت إلى ذهني صورة التواصل بين العقول الذي لا يقتضي بالضّرورة كشف الوجوه، هو شكل من أشكال التعارف والتعايش التي لا يجب قطعها خاصّة وأنّ جزءً مهمّا من التواصل الافتراضي قائم على هذه الفلسفة، على أمل أن يفضي هذا الضرب من التّواصل العقلي إلى بناء مشتركات قيميّة من بينها في هذا السياق: وجه المرأة ليس عورة.