كلام هادئ على غضب نهضاوي
(أقولها مرة وأصمت)
لم أعد معنيا بمطالبة الأحزاب بشيء معارضة كانت أو حاكمة لأن معطيات كثيرة بعضها اعلمها وبعضها لا أعلمها قد طرات على مشهد سياسي عربي لم يعد معها من الممكن تحليل الفعل السياسي بمجرد العودة الى السرديات الايديولوجية التقليدية التي نحلل بها تصرفات الأحزاب السياسية اسلامية او يسارية او عروبية. تساقطت الانساق وتداخلت القيم الفكرية واصبح ما يحكم الفاعل السياسي لا أفكاره المعلومة بل حسابات وتسويات تُعقد في الغرف الخلفية الدولية والمحلية للبراغماتية السياسية في حدها الأدنى.
غير أن ملاحظة مهمة أريد ابداءها على هامش الغضب المبالغ فيه الذي يبديه النهضاويون قواعدا وقيادات من النقد الذي يوجهه اليهم المتابعون للشان السياسي. ويبلغ هذا الغضب احيانا درجة من الشدة التي تحول دفاع النهضاويين على انفسهم الى نسخة سيئة وغير لائقة من الأساليب البالية للنظم الرسمية المتهاوية في الدفاع عن نفسها بداية من خطاب “المؤامرة” والاطراف الخفية وصولا الى ترذيل تحركات الحشود وانتهاء بالطعن في شرف أصدقائهم السابقين في مقاومة الاستبداد.
لاشك أن بعض النقد الموجه الى النهضة ينزل أحيانا الى درجة الاسفاف المشبوه ولا شك أن ناقدين كثر يستعيدون غرائزهم الاستئصالية تحت شعارات الثورية ومساندة المنتفضين والثورة ولكن ذلك لا يبرر حالة “الانفلات” التي يمارسها كتاب ومدونون وقادة محمولون على النهضة لا يميزون بين طريقة الدفاع على حركتهم التي هي من المفروض أنها حركة سياسية مناضلة بالضرورة رغم أنها الآن شريكة في الحكم والدفاع على نظام رسمي عربي الى درجة نحس أحيانا ان هؤلاء القادة والمدونين والكتاب تربوا في صحافة واعلام النظم لا في حركة سياسية معارضة بالاساس.
عندما انعقد اعتصام الروز بالفاكية كان نقدنا بالاساس موجها الى اليسار والديمقراطيين بالاساس لا الى التجمع المنحل وازلامه كمنظمين حقيقيين للاعتصام والاحتجاج. النقد دوما للجبهات المغلوطة يكون موجها لمن نراهم أشرف من ان يكونوا في تلك الجبهات فنذكرهم بأفكارهم وايديولوجياتهم وماضيهم ونقسو عليهم اكثر مما نقسو على مشتقات النظم المستبدة التي نتوقع منها كل شيء.
رغم كل التحليلات التي تريد وضع الحركات الاسلامية بطبعها في صف الاستبداد والعمالة فانا أعتبر ان نشاة الحركة الاسلامية في تونس كغيرها من حركات الاحتجاج السياسي اليساري والعروبي كانت في احشاء الطبقات الوسطى والشعبية في مواجهة نظام العمالة والفساد والاستبداد ولذلك يكون النقد دوما موجها أكثر لهذه الحركات حين تركن الى الفاسدين والعملاء والمستبدين. أن يركز الغاضبون من الوضع الحالي على النهضة فذلك يعني ضمنيا أنهم يعلنون صدمتهم وخيبتهم من أن يروها شاهد زور على منظومة حكم حالي لا يستطيع أحد أن ينكر فسادها من طبيعة اشتقاقاتها.
يبدو النهضاويون كتابا ومدونين وقيادات وصانعي رأي متعجلين جدا للتحول الى جبة “نظام” ينطقون مثله ويردون الفعل على مخالفيهم مثله كما يبدو استعدادهم لا مشروطا لكل “مراجعات” تعصف سريعا بما عُلم من تاريخهم بالضرورة. قد ينجحون في تبكيت معارضيهم بهذه العجلة والصرامة في الردود.. لكن هل يتمكنون دوما من اقناع أبنائهم وقواعدهم اصلا بان الشمس يمكن ان تشرق من الغرب وأن الكلب لا يعض ؟؟