الجلاء… جمهورية التمر الشقيقة، لا تنتظر
محمد يوسف
قال السبسي في آخر أيام العهد السابق للعاشر من مايو،
إن موارد البلاد بقبقت ولم يسعفها إلا التمر والزيت، بعد أن شح الفسفاط والنفط والغاز، وهرب المستثمرون، وعمّ الكسل، وتضخّمت كتلة الأجور بالتواكل على الوظيفة العمومية بدون جهد، وبعدما طغت العربدة والمجون وتكاثرت الديون، وبعد أن عمّ الفساد، وتجدّدت الفتن في عموم البلاد: حضر التمر والزيت ليحفظ لنا ما تبقّى من ماء الجهد…
هذا التمر الذي بلغك اجوده وسترك هدية للاجواد والضيوف، هذا التمر الذي يشرشر على البلاد عملة صعبة، اكثر من خمسمائة مليار عملة صعبة واضعافها عملة محلية.
هذا هو خلق الثروة الذي تردونه وتعجزون عن فعله… “خلق الثروة”…
ليعلم من لم يعلم من المهتمين بالاحداث المفصلية الكبرى في تاريخ تونس، ان من بين واهم وقائعنا في تاريخنا المعاصر، ثورة شعبية خضراء بعمالة نفزاوة، وهي اهم حتى من الجلاء الزراعي لان طرد المستعمر رغم جسامته اسهل من تحويل الصحراء الى واحات غنّاء ورغم انف الدولة المعادية للبناء…
هذا التمر الذي تنتجه اكبر واحة في العالم (كوحدة زراعية متلاصقة) ان لم تكن تجارته موازية فان انتاجه موازيا رغم انف الدولة، هذه الدولة التي لم تدّخر جهدا لتكون البلاد بلا تمر، ولا تزال..
اسألوا حكوماتكم من المملكة الى الجمهورية، هل أنفقت الدولة مليما واحدا على فسيلة نخيل، عدا ما تبقى من واحات متقادمة سبق ان شيّدها العكري، انعم انت وسائر التونسيين بخيارات الفلاحة الموازية التي ارتوت من عرق رجال سقوا فسائلهم عرقا وعضّوا على النواجذ ليشيّدوا كرامة… هي النخلة، اصلها ثابت وفرعها في السماء، واختها زيتونة لا شرقية ولا غربية، نور على نور…
قل لي بالله عليك كم بلغ انتاج التمور، ومن بوّأ تونس منزلة اول المصدرين في العالم، وكيف يتضاعف الانتاج كل سنة، والقادم اروع ؟
هل يوجد نخل بدون ارض، واية ارض صحراء قاحلة تكسوها جبال من الرمال، تحرقها شمس بلا حدود، وتتقاذفها رياح صرصر، وهل تتحول الى واحات غنّاء بدون ماء… وعناء رجال ونساء صبروا وصابروا، ولم تعترف بهم الدولة، ولم تعترف بارضهم وزرعم، ووفرة انتاجهم، وكتلة اجورهم… ولم تخجل عندما قالت ان التمر انقذ تونس بما يدرّه من عملة صعبة…
حتى نبسط الحكاية، امتنعت الدولة عن حفر الآبار الارتوازية منذ السبعينات، ولم تبرمج استصلاح الاراضي، وحتى لا يجوع اهل نفزاوة، حفروا ارضهم باظافرهم، واخترعوا آلات بسيطة للتنقيب، حبل وخشب وقصبة وفأس وسواعد ومضخة ماء بدائية، طوروها في ما بعد الى منصات عصرية ميكانكية وهدرولكية، واستخرجوا الماء وغرسوا النخيل الذي يتطلب اكثر من اثني عشر سنة ليتذوّقوا انتاجه… في الاثناء كانت الدولة تمنع وتقاوم وتصدم الآبار، بدعوة عدم منح رخص للتنقيب وبدعوة حماية الطبقة المائية… اتسعت الواحات، وتضاعفت كل يوم، وانفجر الانتاج… ولم تمكن الدولة الفلاحين من ابسط الحقوق على غرار ما يتمتع به عموم التوانسة…
ليعلم من لم يعلم ان الدولة لم تعترف بالواحات ولم تشملها بما تتمتع له بقية الغراسات والزراعات بتكفل الدولة باستخراج المياه ومد القنوات، ولم تشملهم بالامتيازات الجبائية والمالية التي يتمتع بها عموم التونسيين.
انها دولة الواحات الموازية بارضها وشعبها وسيادتها وهي دولة غير معادية تضع خياراتها على ذمة الدولة التونيسة الصديقة، هذه الدولة تعترف بانها ليست دولة (الا بما يضاهي ما نصف به الترجي)، ولا تحتاج لمن يعترف بتونسيتها، لانها هي الاصل والذين لا يعترفون بها مغتصبون ومنتحلي صفة نطالب بجلائهم من كل شبر من ارض تونس…
ايها السادة،
قبلي لا تنتظر…