في مثل هذا اليوم من سنة 1991
سمير ساسي
مواجهة مع البوليس أسفرت عن شهيدين واعتقالات كثيرة وملمحة بطولية لطلبة وطالبات بمنطق زمنهم لا بمقاييس الآن وهنا، فقد بدا لي الآن ما لم يبدو لي يومها ولا لأحد ممن معي من اخوتي ولو استقبلت من أمري ما استدبرت بمنطق ذاك الزمن لفعلت الذي فعلت، ولكن بمنطق الزمن الراهن قد أتريث كثيرا، لكن الآن وقع الأمر وصار ذكرى للتأمل والتدبر.
سبقت المواجهة المشهودة في مثل هذا اليوم مواجهة أولى في الثاني من ماي سرعان ما سيطر عليها البوليس بما جعلنا نعتقد أننا اخترقنا وأن التخطيط للمواجهة الذي تم في احدى غرف المبيت الجامعي بمنوبة قد وصل الى الامن الجامعي فتدخل البوليس كان وفقا لخطة معاكسة لتمركز الطلبة الذي ضبطناه… انحسر الشك في البعض فكان اجتماع السابع من ماي ليلا بحضور من حام حولهم الشك لكنه كان اجتماعا تعبويا لم نكشف فيه تفاصيل الخطة إلا بعد انصراف المشكوك فيهم…
لست أدري ما الذي أوحى إلي يومها بكتابة وصيتي ثم تمزيقها هل كانت اشارة بأنني لست المعني بالشهادة يومها ولا أهلا لها وأنها ستكون في مكان آخر ولأشخاص آخرين وقد كانت باستشهاد الطالبين أحمد العمري وعدنان سعيد برصاص قوات القمع في المركب الجامعي بتونس، ربما كان أول لقاء لي بإخوتي الطلبة الذين لم يروني منذ مدة اعتلي كرسي الاجتماعات العامة بسبب ملاحقة البوليس لي طلبوا مني مغادرة الكلية قبل تفطن البوليس الجامعي لوجودي، كان ذلك في مكتبة العربية قبل الاجتماع بنصف ساعة، قلت إنني جئت لأبقى وانطلقت المواجهة بعد أن رفع الآذان.. وكانت أول حجرة انطلقت أصابت المؤذن فالرامي لم يكن راميا جيدا لكنه صمد… كانت الأخوات يجمعن المال ويساعدن على مقاومة الغاز المسيل للدموع بما تجمع في حقائب اليد من قوارير العطر… تلك الأيام بحلوها ومرها زمن جميل.
في التفاصيل الجميلة أيضا أذكر أن احدى الاخوات رفضت مد يدها لاخ كان على حائط الكلية يساعد الطلبة على الفرار من البوليس قالت إن ذلك حرام فلما أيقنت أنها مدركة من البوليس مدت يدها.. كان ذلك فقهنا لا نلام عليه.
واجهنا البوليس حتى بدأ باستعمال الخرطوش الحي وقتها اضطررنا للانسحاب والمغادرة وكان هناك في المركب الجامعي بالمنار بوليس آخر يقتل بدم بارد طلبة طالبوا بحرية العمل النقابي والسياسي بالجامعة تحت اشراف الوزير محمد الشرفي.
ذلك وجه من وجوه تونس في ذاك الزمن الذي جاء بالمعارضين يزحفون لقرطاج يطلبون ودها للقضاء على خصمهم الايديولوجي.. ما كان أضيق أفقهم، مواعدة ترأس لجنة لانقاذ الجامعة، والشرفي وزير يقود القتل، وتيارات السياسة في الجامعة اختفوا من المشهد بعد أن وعدهم الشرفي في اجتماع سري بأنه سيخلي لهم الفضاء الجامعي اذا صمتوا عن مخططه التدميري ضد “الاخوانجية”.. لكنهم في النهاية وقفوا يقرؤون بيانا اصدره الوطد في 1992 تحت عنوان: غاب الغول فغابت السياسة عن الجامعة..
لقد أُكلوا يوم أكل الثور الأبيض فهل من مدّكر؟