تحركات الجنوب… أو “الشعب يريد تحرير النظام”

بحري العرفاوي

الثورات الكبرى لا تنتظر أن يحرر النظام السياسي الجماهير إنما الجماهير الثورية هي التي تحرر النظام السياسي.

الأمل معقود على التحركات الشعبية كي تفسح المجال لمن هم في السلطة كي يفاوضوا الجهات الأجنبية من أجل مراجعة عقود استغلال ثرواتنا الوطنية كأننا نمر من شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” إلى شعار “الشعب يريد تحرير النظام”.

إذا كان الإخفاق الديمقراطي في بلادنا العربية مرتبطا بجذور استعمارية، فإن الرهان الديمقراطي لن يتحقق إلا بخوض معركة التحرر بكل آلياتها، وفي كل مساحة ترتبط بها هويتنا ومعاني وجودنا وتتوفر فيها ثرواتنا.

على الأحزاب العربية المعارضة كما على النخب وكل مكونات المجتمعات الوطنية أن يسعوا جادين إلى تحرير “أنظمة الحكم”، لا بما هي أشخاصٌ أو أحزابٌ، وإنما بما هي أجهزة لاتخاذ القرارات وتصريف الشأن العام والتكلم باسم الأوطان والتصرف في خيراتها.

إن النظام العربي أشبهُ ما يكون بـ”المُحْتجز” ضمن ماكينة دولية مبرمجة لخدمة استراتيجيات “الكبار”، لا يمكنه التحرك إلا بمقدار، وسيظل يتحملُ اتهامات الداخل، وإحراجات الخارج وأوامره، دون أن يتغير باتجاه قرار حرّ هو عاجز عليه.

سيظل دُعاة الديمقراطية من السياسيين العرب ومن النخبة يُراوحون بين توسلها من أنظمتهم لا تقدرُ على شيء، وبين التشكي إلى الجهات الأجنبية يستقوون بها، لا تفاوضهم إلا على ديمقراطية “عاقر”، لا تنجبُ مقاومين ولا أنصار المقاومين، ولا تغذي ثقافة المقاومة: مقاومة التوحش الرأسمالي والاستعمار المسرب في مشاريع الاستثمار الاستغلالي والاحتلال الدموي لأرضنا التاريخية.

لكم قدمت شعوبنا العربية من تضحيات على امتداد عقود… عشرات الآلاف ممن سجنوا -قرون من سنوات السجن- وممن قضوا وممن فقدوا عقولهم وذاكرتهم وممن تركوا ديارهم وممن اختلطت عليهم السبل، لا يدري أهو مطلوب لبلده أم مطلوب فيه… ولم تتحقق ديمقراطية لا أصيلة ولا مُترجمة… ديمقراطية لا يُنتظر منها فقط تحقيقُ تداول على السلطة، وإنما أساسا يُنتظرُ منها تحقيقُ المواطنة الحقيقية للأفراد، حين يجدون في أنفسهم شعورا عميقا بالانتماء لوطن يتسعُ لأفكارهم ولأشواقهم ولرغبتهم في العيش وفي الحياة… وطن يشتركون فيه مع شركاء الانتماء في كل الحقوق والواجبات، ويتساوون أمام القانون وفي شوارع المدن ويتقاسمون فيه الثروات الوطنية وفق عدالة اجتماعية وتوزيع متوازن بين الجهات والفئات وتوفير عادل لفرص الكسب والرفاهة.

لا يكفي معرفة ما نريد.. بل يجب معرفة الطريق إليه وعدم الخوف من غضبة الشعوب حين تندلع بوجه قوى النهب تطالب بحقوقها وبنصيبها في ثروة يحرسونها ولا ينتفعون بها، غضبة الشعوب بوجه الناهبين إنما هي سندٌ لأنظمة الحكم الوطنية ترفع عنهم الحرج أمام القوى الدولية وتسمح لهم بطلب مراجعة العقود حتى تكون أقرب إلى العدل وإلى معاني السيادة الوطنية.

Exit mobile version