أحمد القاري
كنت حيثما وليت وجهي في شوارع (شينجين) أرى الحرف الصيني بكل الألوان والأحجام والخطوط.
في المناطق الشعبية والراقية على حد سواء إما أن تكون لافتات المحلات بالحرف الصيني وحده أو تكون معها أسماء بالحرف اللاتيني خاصة إذا تعلق الأمر بماركات مشهورة.
لاحظت نفس الشيء في هونغ كونغ وماكاو وتايوان. لا يمكنك أن تنسى أنك في العالم الصيني بسبب الحرف الصيني الذي يذكرك بذلك طوال الوقت.
فشلت فكرة استخدام الحروف اللاتينية بدل الرموز الصينية المعقدة في مناطق الكتابة الصينية باستثناء فيتنام التي تبنت النظام اللاتيني.
أدخلت الصين شيئا من التبسيط على نظام الكتابة بإنقاص عدد مكونات بعض الرموز المستخدمة بكثرة. فأصبح نظام الكتابة المستعمل داخل الصين يسمى (الصينية المبسطة).
رفضت هونغ كونغ وماكاو وتايوان بدعة التبسيط هذه واستمرت في استخدام (الصينية التقليدية) حتى اليوم.
لنلاحظ أن المناطق الأكثر تعاملا مع الغرب وتأثرا به وانفتاحا عليه واعتمادا على التبادل الاقتصادي معه هي الأكثر تشددا في ما يتعلق بالهوية.
اليوم، توفر الحكومة الصينية الوثائق والمواقع الإلكترونية الموجهة للصينيين خارج البر بصيغة (الصينية التقليدية).
وكل المطبوعات والمنشورات الإلكترونية الصينية خارج البر تتم بهذا الخط.
(الصينية المبسطة) بالغة التعقيد بالنسبة للمتعلم الأجنبي فكيف بـ (الصينية التقليدية). ومع ذلك لم يحل التعقيد دون أن تنشر بهذا الخط كتب في الطب والهندسة والمعلوميات والفضاء وعلم النفس والاجتماع وكل المواضيع.
كنت كلما رأيت كشك جرائد أو مكتبة تفحصت المحتويات علي أصادف مطبوعا يمكنني الاستفادة منه.
في هونغ كونغ تتوفر بعض الجرائد المحلية بالإنجليزية. وتتوفر الصحف الأجنبية وخاصة البريطانية والأميركية. وتوجد في المكتبات أجنحة خاصة بالكتاب بالإنجليزية. وإن كان السمة الغالبة على المعروضات هي الصينية.
أما على الجانب الصيني فلا يكاد يوجد مطبوع غير صيني في المكتبات والأكشاك.
المعروضات كثيرة جدا. وكثير منها بعناوين غربية. ولكنها نسخ محلية مترجمة. فكثير من المجلات الغربية في مجال الصحة والمرأة والرياضة ونمط الحياة تتوفر على نسخة صينية.
لم أر في شين جين منشورا إنجليزيا سوى جريدة يومية بسيطة تسمى (يومية شينجين). وتستهدف الجالية الأجنبية المتنامية في المدينة.
حتى في المطارات ومحطات القطار كانت أكشاك الجرائد والكتب صينية خالصة. ربما يكون للمحل عنوان بالإنجليزية، لكنك تقترب وتتفحص وتجد أن عليك تعلم اللغة المحلية قبل أن تستفيد شيئا مما هو معروض.
وهذه حالة مختلفة تماما عن الوضع في المغرب.
في المناطق الراقية تحس أن الحرف العربي مستبعد ومنفي. كأنه يناقض الجمال والرقي والمجد. الفنادق والمحلات والمقاهي حريصة على أن تكون أسماؤها بخط لاتيني بارز. والإعلانات وقوائم الطعام وتنبيهات الأمان وقواعد السلوك وإعلانات التخفيضات كلها بالفرنسية.
يتم ذلك إرضاء “للسواح” وما أكثر ما يتم في بلداننا باسم مصلحة “سواح” عابرين على حساب “سكان” دائمين.
وليس واضحا، بناء على أي حساب منطقي أو إحصائي، تقرر أن لغة مخاطبة “السواح” عالميا هي الفرنسية.
ولم تم استبعاد الخط العربي الجميل وهو يمكن أن يضيف إلى جمال شوارعنا وأزقتنا ومدننا إضافة كبيرة. بعض البلدان غير العربية ممن يستخدم نظام الخط العربي تحتفل بهذا الخط وتبرزه وتفخر به أكثر مما تفعل بلدان يعتبر فيها العنصر العربي أغلبية. وباكستان وإيران نموذجان لذلك.
هذه فرصة لتفكر وأنت تقرأ هذا المنشور: بم يرتبط الخط العربي في ذهنك؟ بمعان إيجابية جميلة؟ أو بالفوضى والضعف والفقر؟
الإجابة مؤشر مهم على علاقتك بهويتك. العالم الصيني خرج من الفقر والفوضى والضعف إلى الثروة والنظام والقوة دون أي تفريط في رموزه.
#لغات_حية 12
الحرف الصيني ملئ البصر