مقال في التربية وخارج التربية… لا شماتة… سي ناجي جلول
محمد بن رجب
سي ناجي جلول يستحق هذه اللحظات من الاهانة… وهو يجمع اوراقه ووثائقه ويخرج من مكتبه… خروجه وحيدا من الوزارة كان مهينا فلا احد من الانصار يقف الى جانبه.. ولا امام الوزارة فاين اهل اليسار الحديث والقديم الذي عول عليه… وناضل اعلاميا بقوة شرسة لجعله قادرا على تحقيق حلمهم بالسيطرة على الحكم من خلال تراس الحكومة عن طريق خلافة رئيس الحكومة بن جمعة… او خلافة رئيس الحكومة السابق الصيد… وكنت انذاك كتبت بان ما يفعله لن يكون مفيدا له… وان اليسار القديم بافكاره التي كانت موضة السبعينيات سيبقى دوما حطبا يحترق من اجل الغير… لم يتعظ اليسار ابدا… دائما في خدمة السلطة من اجل اختراقها لكنه يخرج منها منهزما.. وتجربة الستين سنة في نظام بورقيبة وبن علي.. لم تعمل اي شيئ لتقوية جانب اليسار رغم محاولاته الدائمة لاجراء التغيير من الداخل…
لقد سعدت جماعات اليسار سعادة كبرى لتعيين ناجي جلول وزيرا.. ونزلت بكل قوة… من اجل اعطائه الصورة التي لا يستحقها… واحاطوه بكمشة من الصحفيين لخدمته… وكان هو راغبا في ذلك فوسع هذا الاهتمام واصبح نجما… اذاعيا وتلفزيا.. يكفي انه كان على الشاشة لمدة اكثر من ساعتين لما كان الشاهد يعد قرار ازاحته او اقالته…
لا شماتة… لانه اكثر من اهانة نفسه من خلال نشر ثقافة الاستسلام الفكري والاستسلام السياسي واذلال النفس من اجل مصلحة زائلة… فلا يمكن ان ننسى انه قال مرة في برنامج «لمن يجرؤ فقط» التافه انا دائما مع صاحب الباتيندة… وين يحطني نقبل… نعم بهذه الالفاظ.. ردا على من سأله عن امكانية ابعاده من وزارة التربية… لاحظوا انه قال… وين يحطني نقبل..
وعليه اليوم ان يقبل بهذه الاقالة… اقالة كانت مهينة بكل المواصفات.. يكفي انها جاءت استجابة لطلب نقابي..
ومن المؤكد ايضا ان شبه خبراء في التربية تعودنا عليهم على الشاشات.. وتعودنا على اكاذيبهم نصحوا بازالته لانهم اكتشفوا انه لم يعد يصلح لشيئ لهم طبعا لانهم لم يستفيدوا من وجوده في الوزارة… ثم ان بعضهم يرون انفسهم افضل منه لنيل منصبه…
انا اعتبر ان كلمة ساقبل باي مكان يضعني فيه الرئيس او يقرر ما يجب ان اكون عليه فانا اقبل… لذا استجاب له الرئيس واطاح به لتحقيق توازنه في الرئاسة واسكات موجات غضب اتحاد الشغل… ومن جديد انا اقول بان كلام من مثل «اقبل باي مكان يقترحه الرئيس» هو كلام لا يصدر عن رجل يؤمن بالديمقراطية بل هو كلام شخص غير مثقف وانتهازي ويؤمن بالاستبداد والديكتاتورية والا ما كان ليقول ما قال… هذا الموقف من شخصه «الكريم» ليس كلام سياسيين يحترمون الثورة التي جاءت به وبامثاله الى السلطة… انما هو كلام متسلقين.. ومتسولين… ولا ازيد…
ثم اني اريد ان اذكر بامر مهم جدا يبرز حقيقة شخصيته فقد قضى كامل السنوات الخمس ما بعد الثورة لضرب النهضة وفضحها.. وتعريتها حقا وظلما… ولما راى امكانية توزيره زار النهضة في مقرها.. وسكت عن نقدها… وبعد التوزير اصبح يميل الى التقرب منها… ولما ضعف سياسيا بسبب قوة الاتحاد ضده والمطالبة باسقاطه تذلل للنهضة واصبح يجلس الى كل القيادات التي كان يعتبرها مجرمة… بل اصبح يطلب من المصورين مرافقته لالتقاط صور له مع هذه القيادات وخاصة علي العريض وحسين الجزيري وعبد السلام بوشلاكة ليظهر علنا انه صديق النهضة لارباك الاتحاد واليعقوبي… لكن الاتحاد تمسك باسقاطه… واسقطه فعلا…
وبالمناسبة اريد ان اذكره بان تونس عرفت مصلحين في مجال التربية والتعليم منذ بداية الاستقلال.. اصلاحاتهم كانت بارزة ورؤياهم كانت واضحة للعيان منذ اللحظات الاولى… فقد نقبل باصلاحاتهم او نرفضها الا اننا لا يمكن ان ننزع عنهم صفة المصلحين.. نذكر مثلا محمود المسعدي وكل الذين احاطوا به مثل عبد الوهاب بكير.. والطيب التريكي.. والشاذلي الفيتوري وغيرهم كثير وقد حقق محمود المسعدي نتائج مبهرة اصبحت مضرب امثال بل ان بورقيبة الذي عينه وزيرا للتربية اشتهر بالثورة التعليمية بفضل اصلاحات المسعدي التعليمية ورؤية المسعدي المعرفية.
ونذكر الوزير محمد الشرفي وهو يساري عينه زين العابدين بن علي بهدف بناء جيل بن علي كما صنع المسعدي جيل بورقيبة لقد احاط الشرفي نفسه برجال من خيرة رجال التربية والفكر.. ونفذ سياسة اصلاحية عميقة وجدت تاييدا من النظام في البداية الا ان النظام بدا يتملل بسبب السياسة الاستئصالية التي مارسها في الاصلاحات التي مست بالتربية الاسلامية.. وهو ما جعل بن علي يتخوف منه ومن ظهور جيل يساري متطرف ضد الدين الاسلامي او على الاقل هكذا اقنع اعداء الشرفي الرئيس الهارب اليوم من اجل ابعاده يجوز انهم قالوا له قد تكون اصلاحات الشرفي اعمق خطرا على النظام من جماعة النهضة… فعمل على ازاحته… ومن جديد كانت اقالته صفعة على جبين الفكر الاختراقي اليساري.
واحقاقا للحق فان محمد الشرفي الذي خدم في نظام بن علي وساعده على الاستمرار والتنفس سنوات عديدة بفضل الاصلاحات التعليمية التي قام بها لم يتذلل يوما لبن علي.. ولم ينظم الى التجمع.. ولم نسمع منه ما يقلل من شخصيته او فكره رغم انه تعامل مع مستبد…
بخلاف سي ناجي جلول الذي تذلل للرئيس وقال ما لا يحب ان يقوله وزير في عهد الحرية التي جاءت بها الثورة التي نفذها شباب متطلع الى مستقبل افضل… حرية كان يمكن ان يحتمي بها ولا يهبط الى لغة «وين يحطني»….
لذا ليخرج سي جلول من الوزارة،، بالاهانات كلها لانه خطط لها وعليه ان يشرب منها… يكفي كلمة واحدة قالها «انا من انصار صاحب الباتيندة» لنقول له اذهب الى صاحب الباتيندة… هذا اليوم… فقد يسلمك وزارة اخرى…
وفي نهاية القول اريد ان يعرف الجميع اني لست مع الشاهداو ضده فهو حر فيما يفعل وما يقول لاني لست من انصار النداء ولا من انصار هذه الحكومة… انما الواجب يقتضي ان اقول كلمة لا بد منها في هذا الرجل الذي اسمه ناجي جلول…