أسفاري واللغات الحية (9)

أحمد القاري
كانت قنصلة الصين بالرباط ومساعدتها تتحدثان العربية إلى زبائن القنصلية من المغاربة. ولكن كانتا تفاجآن كثيرا من الأحيان بأن الزبائن يجيبون بالفرنسية أو ما يشبهها.
تابعت بعض المشاهد الطريفة لتواصل الموظفتين مع طلاب التأشيرة قبل أن تصحح مصالح الخارجية الصينية الوضع.
خارجية الصين كانت تعتقد أن لغة المغرب الرسمية هي العربية فكانت ترسل موظفين يتحدثون العربية. وطبعا من الصعب جدا أن تجد صينيا يتحدث العربية والفرنسية معا. فهو إن كان يتحدث لغة أجنبية إلى جانب العربية فقد تكون الإنجليزية غالبا.
لم يكن الضغط شديدا على عمل القنصلية سنة 2006 حين طلبت التأشيرة منها لأول مرة. وكانت الإجراءات سهلة والتعاون مع طلاب التأشيرة في أقصى درجة.
تقول القنصلة للمراجع: هات صورتين. فيكون الجواب (لي فوطو؟). تسأل: أين هي شهادة العمل؟ يجيب طالب التأشيرة (آه وي. سيرتيفيكا دو طرافاي؟).
نسبة كبيرة من طلاب التأشيرة كانت من تجار تقليديين. وهم لا يحسنون الفرنسية بالضرورة ولكن كل الإجراءات الإدارية في المغرب ارتبطت في أذهانهم بهذه اللغة الأجنبية حتى صار رد الفعل اللغوي في هذا الموضوع تلقائيا ودون وعي.
في شهر غشت 2008 احتجت تجديد جواز السفر فسافرت من (شينجين) إلى بكين. في السفارة المغربية وجدت متاهة لغوية غريبة. المساعدات الصينيات الموجودات في الإستقبال يتحدثن الفرنسية ولا يتحدثن العربية. وقد كنت سجلت ملاحظة غير علمية على من يتكلم الفرنسية من الصينيين وهي أنهم يتعلمون معها غرورا وصلفا نادرا ما يلاحظ لدى عموم الموظفين الصينيين.
موظفة الإستقبال في السفارة قالت لي بحسم (جو نو باغل با لاغاب) فقلت لها (لن أتحدث معك الفرنسية).
في مكتبة مساعدة السفير وجدتها تعيش متاهة لغوية محزنة. المراسلات تردها من الخارجية الصينية باللغة الصينية. وبما أنها كمعظم طاقم السفارة لا تحسن من الصينية شيئا فقد كانت تعتمد على المساعدات في ترجمة الوثائق إلى الفرنسية. في الوقت نفسه كانت تتحدث هاتفيا، حول محتوى المراسلات، مع موظفي القسم المكلف بالمغرب في الخارجية الصينية بالعربية فالموظفون هناك لا يتحدثون الفرنسية.
كانت اللغات المستخدمة في التواصل بين الطرفين هي الصينية والعربية بوساطة الفرنسية. وطبعا هناك لغة متطفلة في الموضوع.
لاحقا صححت الخارجية الصينية خطأها. واليوم يتحدث مستخدمو القنصلية الصينية في الرباط مع المراجعين المغاربة فرنسية واضحة. وبالتالي أصبح التواصل أكثر احترافية وتلقائية. لقد تم إزاحة اللغة الرسمية للمغرب من المشهد.
تماما كما تغيب اللغتان الرسميتان للمغرب من تصريحات السفير الدائم للمملكة بالأمم المتحدة. فهو يمكن أن يبدأ الحديث للصحافة بالإنجليزية ثم ينتقل للفرنسية لدواعي وضوح الأفكار وقوتها. ربما ليس مقتنعا بوضع اللغة العربية كلغة رسمية في الأمم المتحدة.
#لغات_حية 9
متاهة لغوية

Exit mobile version