أسفاري واللغات الحية (7)

أحمد القاري
يتكلم أهل (هونغ كونغ) اللغة الكانتونية. وهناك خلاف هل هي لهجة أو لغة.
الكانتونية مستخدمة للحديث والتواصل الشفوي في هونغ كونغ وأقاليم الصين المجاورة. مع استخدام الصينية المعيارية في الكتابة.
حالة مشابهة للعربية؟ نعم، مع بعض التعقيدات الإضافية.
الثنائية اللغوية الموجودة في المجتمع اللغوي العربي موجودة أيضا في هونغ كونغ. فاللغة التي يتكلمها الناس لهجة ليست هي نفسها الصيغة المستخدمة للنصوص المكتوبة.
وربما تصل نسبة الكلمات التي تستخدم في الحديث بالكانتونية ولا تصلح للإستخدام في الكتابة بالصينية إلى 40 في المائة من الرصيد اللغوي الكانتوني.
الفرق الموجود بين حالة العربية وحالة الثنائية اللغوية في هونغ كونغ هي أن الكانتوني والصيني لا يمكن أن يفهما بعضهما من خلال الحديث. النطق والتركيب والصياغة مختلفة بدرجة تجعل لهجة كانتون واللغة الصينية المعيارية غير مفهومتين لمتحدثي كل منهما الأخرى.
وهنا الفرق بين الحالة العربية وحالة هونغ كونغ. فالعربية الفصحى تقرأ بطريقة متقاربة ومفهومة لكل العرب. ربما يجد عربيان صعوبة في فهم كلام بعضهما باللهجات المحلية، ولكن لو وضعا نصا مكتوبا أمامهما فسيقرآنه بطريقة مفهومة لهما معا. فمخارج الحروف ظلت هي نفسها.
بينما تقرأ الصينية من طرف أهل هونغ كونغ بأصوات مخالفة لطريقة قراءة متحدثي الصينية المعيارية. إذا نظر الطرفان إلى النص فهماه معا وكل منهما يقرأه بطريقة مختلفة اختلافا بينا.
وتشبه الثنائية اللغوية في هونغ كونغ الحالة اللغوية في الجزء الألماني من سويسرا. فاللهجة الألمانية السويسرية غير مفهومة في البلدان الأخرى الناطقة بالألمانية. وإذا بثت وسيلة إعلام ألمانية حوارا مع سويسري ألماني باللهجة السويسرية فإنها تحتاج لأن تضع على الشاشة نصا يوضح ما يقوله.
هذا الواقع يجعل التلميذ في هونغ كونغ بحاجة لدراسة ثلاث لغات. أو بتعبير الأوساط التعليمية في الجزيرة: لغتين وثلاث لهجات. اللغتان هما الصينية والإنجليزية. واللهجات هي الصينية الكانتونية، والصينية المعيارية (صينية بكين) والإنجليزية.
وقد نشط النقاش خلال العقود الماضية حول التصرف مع الكانتونية. وظهرت دعوات لتركها. إلا أنها لم تحقق أي تجاوب. فاللهجة مستخدمة في الحديث والإعلام والإنتاج الفني والتواصل بين الناس. وهم ينظرون إليها باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات هويتهم.
والنقاش الحالي هو حول استخدام الصينية المعيارية لغة تدريس خاصة للغة والأدب الصيني.
وربما يبدو غريبا، مقارنة مع تجارب المغرب الكبير، أن تكون الصينية حافظت على مكانتها وأوليتها في هونغ كونغ برغم تفرد الإنجليزية بوضع اللغة الرسمية لعقود طويلة وتأخر مغادرة بريطانيا له.
ألا يبدو إغراء أن يترك الناس عناء تعلم لغة بلهجتين وبطريقة كتابة معقدة للغاية ويخصصوا كل جهدهم للغة الأولى في العالم، خصوصا أنها تفتح لهم أبواب الدراسة والعمل والتجارة؟ وأن نسبة كبيرة منهم يحملون جوزات بريطانية؟
الظاهر أن قوة الإغراء العملي المادي لم تكن أقوى من نوازع الهوية وانتقال الثقافة الطبيعي من جيل للذي يليه. واهتمام الناس بتعلم لغة المستعمر لم يكن بإحلالها مكان لغتهم الأم وإنما كان تعلم لغة إضافية.
وبالنسبة للاستخدام الفعلي يغلب بحسب الإحصائيات استخدام الكانتونية في الحديث بنسبة كبيرة على لغة تواصل الجمهور. وتحسن نسبة أكبر من الناس الكتابة بالصينية مقارنة مع من يحسنون مهارات الكتابة بالإنجليزية.
كما يلاحظ توسع مجال استخدام الصينية في البرامج والإعلام على حساب الحيز الإنجليزي، حيث تتحول بعض البرامج من الإنجليزية للصينية.
ويدعم صندوق اللغات في الإقليم مبادرات لاستخدام الصينية المعيارية لغة لتدريس مادة الصينية في عدد من المدارس في أفق توسيع أو تعميم التجربة.
وينظر إلى تحدث الصينية المعيارية في هونغ كونغ باعتباره يفتح للطالب فرصا إضافية لإتمام التعليم داخل الصين أو العمل والإستثمار بها فهي الشريك الاقتصادي الرئيسي للجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي.
نعم، الصين الأم هي الشريك الرئيسي لإقليم يشكل جزءا منها. فاقتصاديا، تتمتع هونغ كونغ باستقلال تام عن الوطن الأم. هو وطن غير مهيمن ومسيطر على التفاصيل على النحو الذي ألفناه.
هونغ كونغ عضو في المنظمات الدولية الاقتصادية والرياضية والاجتماعية عضوية خاصة بها. وهي تفاوض عن نفسها في التجارة الدولية. ولها اختياراتها الخاصة التي جعلتها لسنين طويلة أكثر المناطق حرية اقتصادية في العالم.
#لغات_حية 7
لغة أو لهجة؟

Exit mobile version