كمال الشارني
الصحافة فضاء عام متسع لكل شيء خصوصا الحماقات والخباثة والنذالة، لا ألوم أي أحمق أو نذل، فتح له صاحب مؤسسة إعلامية أكثر جهلا منه منبرا، عندما يتقيأ على الناس ما في بطنه من نذالة أو جهل أو خرافة أو غباء، بينك وبينه شيئان:
الأول: يجب أن تعرف أن الصحافة تنقسم تاريخيا إلى جزئين: الأول عمل صناعي، مثل أية مهنة: المحاماة أو الطب أو الهندسة، تتطلب علما ومعرفة ليس أقلها حسن التفريق بين الخبر والتعليق، وفي هذا العمل الصناعي أجناس صحفية: الخبر، الحوار، الريبورتاج، التحقيق، التحليل الصحفي، وكلها لها مقاييس علمية عالمية، والجزء الثاني الذي يجب أن يكون هامشيا بالمقارنة مع الأول، هو رأي هؤلاء الذين ينتصبون دون أي وجه حق محللين ومحرمين وعلماء، من العامة أو الخاصة، في إطار ما تريده سياسة المؤسسة الإعلامية، وهذا لا يلزم مهنة الصحافة في شيء، فقد رأينا في بر تونس لصّ معيز يتصدر وسائل الإعلام بصفته خبيرا في الأمن، ومطلوبا للقضاء في جريمة قتل يتحدث باسم الدين.
الثاني: الكوماند، تلك الآلة العجيبة التي تجعلك تطوف كل القنوات التلفزية التونسية: حين تحترق أعصاب الناس في الوطن شوقا لمعرفة تفاصيل عملية إرهابية أو فيضانات، تكون القناتان الوطنيتان مشغولتان إما بالصور المتحركة أو الوثائقيات السياحية، القنوات الخاصة مشغولة بالتكرار المائة للمسلسل التركي الذي لا تشمله الحملة على التوريد العشوائي أو التهريب، بقيت الجزيرة وغيرها من القنوات “العدوة”، أحيانا البي بي سي نفسها التي كان التدرب فيها فخرا تصبح عند البعض عدوّة، لأنها لا ترى ما يراه كبار محللينا من لصوص المعيز.