حركة النهضة الإستضعاف والإستهداف
هذه الصياغات الحاقدة تصدر من أفواه أدعياء الثقافة والتعلم وسياسيين أيضا… إننا في زمن “الثورة” يظن الطيبون كل الناس موعودون بالحرية والكرامة ولا عودة لما قبل 14 جانفي، انتهى زمن الوشاية والتقارير والتهم الكيدية ومحاسبة الناس بسبب معتقداتهم وأفكارهم. إن “الثورة” أعادت للناس الأمان والأمن في وطنهم وبين أهلهم وآخت بين المواطنين بحيث لم يعد مواطن يتوجس من جاره أو زميله أو شريكه في الوطن.. هكذا يحلم الطيبون…
ولكنّ الذي يُخيّب الآمال ويُبطل الأوهام أنّ الكثيرين لم يُغادروا “الوعيَ الحَبْسي” نعم إنهم يتكلمون بعد سنتين من تحرر التونسيين عن إعادة بعض شركائهم في الوطن “إلى الحَبْسْ” يقولونها بحقد مَرَضِيّ وبِغِلٍّ سرطانيّ، نعم تستمع لمثل هذه الصياغة في مؤسسات عمومية أو شركة أو مؤسسة تربوية -بكل أسف- وليس التأسف من احتمالية تحقق تلك الأماني لأنها أوهامُ الصّاديين الموبوئين إنما الأسف من مدى إصابة هؤلاء بأمراض نفسية يصعب علاجها لقد مَرَدُوا على القوادة والخِسّةِ والمذلة وكل أنواع السقوط والإسفاف وهم يرون في “خصومهم” سُوءَ أعمالهم إذ اشتغلوا طيلة عقدين يتجسسون ويبلغون عنهم وطالما هم يرون ضحاياهم خارج السجن فإنهم يظلون واقعين تحت عذابات سوء أعمالهم إذْ كم كانوا سببا في إيذاء أبرياء من رجال ونساء وأطفال وكم كانوا سببا في تدمير أسَرٍ وتحطيم مستقبل رجال ونساء من موظفين وتجار وطلبة وتلاميذ وقد وصفهم القرآن بقول الله تعالى “ولا تزال أعمالهم رِيبَةً في قلوبهم”… القوادون أولائك يتمنون عودة سنوات “الحَبْسْ” حتى يعودوا إلى سالف نشاطهم… لقد فتحت سنوات الحملة على الإسلاميين تلك مجالا رحبا لنشاط الساقطين والساقطات من آكلي لحوم إخوانهم أحياءَ… وبدل أن يتساءل هؤلاء لماذا لم ينتقم منهم ضحاياهم أيام الفوضى وباسم “الثورة” وهم يعرفون بيوتهم هاهم يتمنون لهم العودة إلى “الحَبْسْ”.
ـ حين أستمع وأقرأ عن حجم الخوف والتخويف وعن منسوب الكراهية والحقد وعن درجة التحريض والتحريش بل وحين يلجأ الكثيرون وبكل وضوح إلى الإعتزاز والإعتداد بما فعله بن علي والقذافي ومبارك وبشار في الإسلاميين والتهديد بأن القادم يجب أن يكون أسوأ… تنقدح فيَّ أسئلة حائرة:
• لماذا كل هذا الخوف وكل هذا الكره وكل هذا النفور من الإسلاميين إلى حَدّ التحالف مع الإستبداد وحتى مع الدوائر الإستعمارية والإستخباراتية بل ومع الرجعية الموغلة في البداوة؟
• لماذا كل هذه الجرأة عليهم وهم في المعارضة أو هم في “الحبْسِ” أو هم في الحكم أو هم في “التوافق”؟
• لماذا يتجرأ عليها خصومها كما لو أنهم “يستضعفونها” ولماذا يضيقون بالاختلاف معها فيستهدفونها؟
• لماذا لم يستطع الإسلاميون أن يكونوا لا مستبدين ولا ثوريين ولا إصلاحيين؟
• هل إنهم يُحَمّلون أعباء تراثِ أمةٍ مُثقل بالأزمات والعثرات وبعوامل التخلف والانحطاط -دون النظر إلى ما يحويه من عوامل النهضة- ؟
• هل ثمة خلل في أدائهم وفي أسلوب تعاملهم وفي كيفيات حضورهم الاجتماعي ومدى تواصُليتهم مع الناس في كل الفضاءات: المؤسسات/ الجمعيات/ الرابطات/ المنتديات/ دور الثقافة والسينما/ الأسواق/ المقاهي/ الملاعب/ الحفلات؟
• هل يكفي إلقاء المسؤولية على القوى الخارجية وعلى الأطراف المعادية أو على إعلاميين وعلمانيين ونقابيين؟… لأن السؤال سيكون لماذا يُعادي هؤلاء الإسلاميين من الأساس بهذه الحدة ولماذا استطاعوا “التحالف” ضدهم وبتلك الشراسة؟
• كل خصومة هي حَدَثٌ مشتركٌ لكل طرف فيها مسؤوليةٌ بمقدار -هذا اعتقادي دائما ولم أدّعِ مرة أنني مظلوم مظلومية كاملة إنما أسارع للبحث عن مقدار مسؤوليتي في ما أجده من أذى وفي ما يحصل لي من متاعبَ-.
• لا يجوز لأحد استسهالُ الإجابة بكون هؤلاء يُعادون الإسلام لذلك يحاربون الإسلاميين فمثلُ هذا التفسير قد كان له أثر عكسي إذ تسبب في الإستزادة من العداوات بل وأنتج مزايدات دينية لدى تلك الأطراف لإثبات أن الخصومة ليست دينية ولاتهام الإسلاميين بأنهم يتسترون بالدين.
• هذه أسئلة للتفكر والنقد الذاتي وليست اختبارا كتابيا يستدعي إجابات جاهزة.