كمال الشارني
أن نأكل “السليخ”: عن السمسرة والتوريد العشوائي وغيره من الخيانات الوطنية
صديق طفولة من مدينة الكاف، قال لي: “آش راح لي أنا في الدينار يطيح وإلا يطلع وإلا يتّخذ أصلا، هذه أموركم في تونس، أنا نصوّر في 560 ألف في الشهر تحت الحيط بالسيف، ولا أعرف من اللحم إلا عناكيش الدجاج مرة في الأسبوع ولم أشتر، لا لي ولا لأبنائي شيئا إلا من الفريب وليس لي ما أخسره”.
حسنا صديقي، تعويم الدينار هو نتيجة وليس سببا للأزمة القادمة، وفي مصر عوموا الجنيه ففقد 34% من قيمته السوقية خلال أسابيع وأدى إلى تضخم مالي ترواح بين… (أوكي هذا لا يهمك ولا تفهمه، لكنه يعني أن الـ 560 ألف متاعك تصبح قيمتها في السوق 370 ألف، فهمت توه ؟)، وفي كل الحالات هو يعني أنك قريبا لن تصل إلى عنكوش الدجاج لأنه سيصبح غذاء لكلاب وقطط الـ 5% فقط من الشعب التونسي من ذوي الثراء الفاحش ممن يدفعون الـ 560 ألف متاعك شهريا لغذاء القط الشخصي متاعهم لأنهم لا يمارسون الإنتاج مثلك، بل السمسرة، التهريب، التوريد العشوائي وغيره من الخيانات الوطنية التي لا تدفع ضرائب، لأن تعويم الدينار هو ثمرة للانخرام الظالم للتوازن الطبيعي بين قيمة العمل الحقيقي وقيمة المضاربة والسمسرة، بين الإنتاج المحلي والتهريب والتوريد، بين أن يبيع الفلاح (المنتج) البصل بـ 100 مليم، وأن يبيعه لك السمسار بـ 1000 مليم، بين أن يسكب الفلاح حليب بقراته في الوادي وأن يستورد سمسار حليبا مجففا مدعوما من أوروبا، وهذه عندها اسم قديم: “الليبرالية المتوحشة”.
صديقي، أنت بالذات، سيضيع لك الكثير في تعويم الدينار، ستكون أول الضحايا، وربما تعود إلى سنوات الشرّ والجوع والمجاعات في تاريخ تونس، حين أكل الناس “السليخ”، وهو لحاء شجر الصنوبر، بعد أن أكلوا التيفاف والقحوانة والزرنيز والتالمة وكل الأعشاب الطبيعية القابلة للأكل، ويجب أن نقول إن ذلك كان بسبب تتالي أعوام الجفاف وليس بسبب الشر المترتب عن الهمجية البشرية وسيطرة الزنوس واللصوص.