سليم الحكيمي
لم تبدأ الدعوة الى نظام رئاسي مع اردوغان بل مع “نجم الدين أربكان” في التسعينات. والاستفتاء متعلق بصلاحيات الرئيس وليس بصلاحيات اردوغان. ورُهاب الشعب كان بسبب 4 انقلابات عسكرية وعدم استقرار النظام البرلماني في تاريخ تركيا منذ 1923 : 93 عاما و65 حكومة، بمتوسط 16 شهرًا لكل واحدة. ولولا استقرار حكومات “العدالة والتنمية” منذ 2002، فإن الرقص في محفل العبث السياسي كان سيجعل فترة كل حكومة أقل بكثير. ورغم تقديم الاعلام التركي والغربي التعديلات الدستورية بطريقة سيئة، فان التغيير حدث عندما نضج لحزب ينتصر ذهابا وايابا، لم ينهزم في مَعمعَان 12 مناسبة انتخابية محلية وبرلمانية و3 استفتاءات منذ سنة 2002، فقط، لان اعماله كانت اعلى صوتا من الكلمات. وحين ارتفع العمل أنصت الناس، وهو ما جعل اردوغان يغيّر المعادلة بخطبه الاخيرة بعد ان كانت استطلاعات الراي حول الاستفتاء قد أخافت قادة الحزب نسبيا. خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوربي باستفتاء بـ 51% واحترم العالم ارادة شعبها، ولكن لما صوت الاتراك بـ 51% ايضا، نعقت الغربان الناعقة من الاعلام النَّوحِي الغربي والعربي الغَمُوس الذي هَوى بالعَرب سبعين خريفا في التخلّف، وتناسى صلاحيات دستور العسكر 2014 الذي كتب بدماء انقلاب 7/3/ 2013 اثر مجزرة قُتل فيها 4000 في يوم واحد. فرئيس الجمهورية في مصر هو رئيس السلطة التنفيذية، وله أخطر 13 صلاحية:
– المادة 147 يحق له اعفاء الحكومة من اداء عملها.
– المادة 152 يحق له اعلان الحرب.
– المادة 154 يحق له اعلان حالة الطوارئ.
– المادة 155 يحق له العفو الشامل عن العقوبات.
– المادة 151 يحق له اصدار قرارات لها قوة القانون، وهو ما حدث.
– المادة 123 يحق له الاعتراض على القوانين الصادرة من البرلمان.
– المادة 216 يحق له تعيين رؤساء الهيئات المستقلة.
– المادة 157 يحق له الدعوة الى الاستفتاء.
– المادة 137 يحق له حلّ البرلمان بناء على استفتاء شعبي.
– المادة 203 يحق له حلّ مجلس الدفاع الوطني.
– المادة 152 هو القائد الاعلى للقوات المسلحة.
– المادة 153 يحق له تعيين الموظفين السامين المدنيين والعسكريين.
– المادة 205 يحق له رئاسة مجلس الامن القومي.
ليس النظام الرئاسي بدعا، بل هو نظام اكبر دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الامريكية. بل يمكن للرئيس التركي ان يُحاكمَ بسبب جُنحة في التعديل الجديد وليس فقط للخيانة العظمى. ودعاة التعديل الدستوري في تونس لمنح صلاحيات لرئيس الدولة تتعالى يوميا. لن ترضى الديكتاتورية العربية الآسنة بمياه التغيير الديمقراطي، ولا العلمانية المتوحشة في اوربا، ولا العلمانية القمعية في تركيا باردوغان الثاني -بعد الاستفتاء- بعد ان تمنّوا المنطقة بدونه. فهو من ساءل النظام الغربي وفضح تناقضاته المنافقة وناقش جدلية الحق والقوة. فوصفت صحيفة “الاكينومست” ما يجري بـ “الانزلاق الى الديكتاتورية”. وتوقعت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن يوقف الاتحاد الأوروبي، المتفرّج على اعدام 500 الف مدني في سوريا، مفاوضاته لضم تركيا لعضويته إذا عاودت العمل بعقوبة الإعدام، ولست ادري متى وافق اصلا على ضمّها؟
كل ما يقع من هوس غربي وعربي رسمي هو بسبب فراغ الزعامة في المنطقة لرجل يملؤه بمثَل تنموي تجاوز اوربا، وحضاري مُحرج خاطب فيه النادي المسيحي: “لست بحاجة اليكم بل انتم من تحتاجون تركيا. فلماذا تنظرون الينا من اعلى، وعليكم ان تتخلصوا من العقلية الصليبية والنازية”.
لم تعد للغرب السياسي علاقة بفكر الانوار بل صار يمثل الانقلاب عليها، عاقِرا ناقة الديمقراطية في اكثر من بلد نام، ساقطا في امتحان الانسانية، إذ لم يستقبل الاتحاد الاوربي بدوله الـ 28 اكثر من 15 الف لاجئ سوري ولم تصرف سوى 850 مليون دولار، بينما استقبلت تركيا منفردة 2.5 ملايين وانفقت عليهم 25 مليار دولار قال عنها اردوغان “لا ينقص مال من صدقة”. خاطب الخليفة المأمون لمن عرف خطا العزف بين فرقة بها عشرون عازفة: يا إبراهيم، لا تمار إسحاق الموصلي بعدها؛ فإن رجلاً فَهِم الخطأ بين ثمانين وَتَراً وعشرين حلقاً لجدير ألا تُماريَه. وحزب عرف مُضغة التقدم بين 80 دولة متخلّفة بجواره، وانتقل بالبلاد اقتصاديا من المرتبة 37 الى 15 عالميا والسادسة اوربيا في 15 سنة مضاعفا الدخل الفردي 3 مرات مُفرّغا 25 الف للبحث العلمي على حساب الدولة، حتى صارت من 20 الكبار في اقل من جيل، وتستعد لان تكون من 10 الكبار قبل سنة 2030 حريا الا تماريَ حزبا قادها حتى استقرت للناظرين ارض الاحلام.
ستطوي تركيا صفحة أتاتورك الاول لتبدأ صفحة أتاتورك الثاني بمواصفات حضارية. ردّت امراة على استجواب صحيفة “وُول ستريت جورنال”: “من لم يصوّت من الشّباب لم يعرف كيف كانت تركيا قبل مجيئ العدالة والتنمية، كان الناس يصطفون طوابير وساعات من اجل زيت الطبخ والماء”.
اما العرب، فكسْرهُم لا يجبُره التّاريخ.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.