زهير إسماعيل
مستوى أوّل
“العصيان المدني” ليس مرادفا للعنف، و”الشارع” -المقصود به التظاهر السلمي- جزء من آليات الديمقراطيّة.. هذا مالم يستطع أغلب “صحفييـ”ــنا استيعابه وهم يحاورون ضيوفهم… ولا سيّما إذا كانوا من المعارضة.
الأمر الآخر هو “قلّة التربية” في محاورة الضيف، وفي بعض الأحيان يتحوّل الحوار إلى ملاسنة “وتطييح قدر” الضيف ومن ورائه الجهة السياسية أو الاجتماعيّة التي يمثّلها، ومن ذلك تلك “الصحفيّة” التي بادرت ضيفها الرئيس السابق بسؤاله: متى ستعتذر للشعب التونسي؟
كذلك سرعان ما يتحوّل الصحفي إلى “خصم إيديولوجي” للضيف، وقد يعود به إلى “شبابه السياسي” و”سنيّ الجامعة والحركة الطلابيّة” اتهاما لا استعلاما.
ليس مطلوبا من الصحفي أن يجامل الضيف وألاّ يدقّق في السؤال وأن يغض الطرف عن سقطاته… أبدا… ولكن مطلوب منه أن يختبر إلمامه وعمقه وأطروحة الجهة التي يمثّلها وتصورها للموضوع قيد المناقشة وأن ييسّر له مجال الإجابة ويساعده على الاسترسال في بسط الرأي… لا أن تتحوّل المقابلة الصحفيّة إلى “تمرين لتمرميد الضيف”.
والأدهى من كلّ هذا هو أن يقتطع “الصحفي” من وقت ضيفه ولا يتيح له فرصة الإجابة بعد أن يكون قد هجم عليه بعشرة أسئلة في سؤال واحد. ويستغرق السؤال وقتا طويلا وقد يتحوّل إلى مداخلة وعرض وجهة نظر.
سيقول البعض “الحق في إلّي يمشيلهم”… ” وإليّ هزّوه ساقيه العصا ليه”…
الإعلام هذا في أغلبه ينتمي إلى إعلام العار، وقد جُنّد كثير من هؤلاء المجلوبين إلى عالم الصحافة والإعلام لكي ينهضوا بمهمّة “تهشيم التجربة الجديدة”. وهم معروفون بأسمائهم. وببرامجهم. (لسنا في حاجة إلى التذكير بفكرة القابلية للتهشيم… حفظناها وفدينا منها).
مستوى ثان:
عبارة إعلام العار صارت من النقد الجزئي الذي لا يحيط بالمُسمّى… ومطلوب أن يكون النقد جذريّا.
التسريبات الأخيرة تعطي الدليل المادي على أنّ صاحب القناة ارتكب جريمة يشهد عليها كلامه المسجّل. فهو كمن يشهد على نفسه بالجرم. وليست هذه هي الشهادة الأولى فهناك من أعلن “قبل أن يفقد عقله” أنّه يعرف من قتل الشهيد. وهذا موثّق أيضا. وهو اليوم صاحب قناة. ومازلنا نذكر برنامجه التاسعة مساء “والجهادي الذي أشهر كفنه على المباشر”… القناة التي فبركت فيديو في حقّ الرئيس السابق وحرّفت الكلم عن مواضعه…
قنوات وبرامج فتحت الباب على مصراعيه للفتنة وتمزيق البلد… وكانت صوت جبهة الخراب… وفتحت استديوهاتها لهتك الأعراض وتفكيك الدولة وتتفيه رموزها بسبهم ليلا نهارا ونعتهم بأبشع النعوت… الفيديوات موجودة وكلّ شيء موثّق…
ماذا تقول الطبقة السياسيّة اليوم في هذا الإعلام الذي يشهد على نفسه… وتشهد عليه تجربته؟
سيقول المعذّرون وأصدقاؤهم من صفّنا من “روّاد المصلحة الحزبيّة”: ما البديل؟ وإنّنا نحتاج لمثل هذه المنابر في مشهدنا هذا وفي استحقاقاتنا هذه وفي أحزابنا هذه وفي بلدنا هذا… وفي عامنا الأحرف هذا…
وسيكون الموقف “جزئّيا”… والقاعدة أنّه لا تقاطع القناة حتّى يكون عنها أو منها تسريب… هو الكيل بأكثر من مكيال.
كان هذا المنطق هو نفسه قبل ست سنوات… وقال كثيرون يومها: هذا أوّل الوهن.
لا يليق بهذا الإعلام المموّل من قبل مافيا المال والأعمال والذي هشّم “ملامح من الجديد” وأعاد القديم المافيوزي إلاّ أن يسّمى “إعلام إجرام”.
من العار إلى الإجرام

زهير إسماعيل