صالح التيزاوي
مازال الفكر القومي في الزمن الراهن مشدودا إلى التجربة الناصرية، وإلى التجارب البعثية على تفاوت في التحمس لهذه التجربة أو تلك، على الرغم من فشلها الذريع في تحقيق أي شكل من أشكال الوحدة بين الأقطار العربية (اقتصادية أو اندماجية)، وهو الهدف الأسمى الذي قامت من أجله.
يفسر ساطع الحصري القومية العربية فيقول: “هي الإيمان بوحدة الأمة العربية”. ويتحدث عن مبرر قيامها فيقول: “الأقطار العربية لم تتكون بمشيئتها، ولا بمشيئة أهلها، وإنما تكونت بموجب اتفاقات دولية تقاسمت السيطرة على البلاد العربية”.
ويبدو أن حال الأنظمة القومية، ليس بعيدا عن حال الأقطار العربية، لأن هذه الأنظمة جاءت بانقلابات عسكرية أو عن طريق التوريث، كما في الحالة السورية، فهي لم تنشأ بإرادة شعبية. والتجربة الوحدوية الوحيد بين مصر وسوريا لم تعمر طويلا. لأنها لم تكن نابعة من الشعوب. لئن نجحت القومية العربية في “إيقاظ مشاعر الوحدة عند العرب” فإنها فشلت عمليا ومنهجيا في قضية العرب الأولى: القضية الفلسطينية واسترداد الأراضي المحتلة من الصهاينة (الجولان).
والعروبيون أثناء حكمهم، صادروا الحرية لمصلحة التحرير بذرائع ومسوغات مختلفة، منها “رص الصفوف في جبهة موحدة” كما يقول منظرو القومية. استعدادا “لمعارك التحرير”، وأنتجوا شعارات مكممة للأفواه من قبيل “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” وأضاف بشار شعار “الممانعة”، تحايلا على إرادة الشعب السوري في فك قيود الإستبداد، وممارسة حقه في اختيار حكامه. وفي المحصلة فشل العروبيون في الحرية وفي التحرير معا. وهم فيما يفعلون كالمنبت “لا أرضا قطع ولا ظهرا ابقى”.
فما هي أسباب الفشل؟
تأسست “نظرية الوحدة العربية”، على أساس وحدة الأنظمة أولا، وعلى فكرة الإندماج الكلي ثانيا، وعلى الإنقلابات العسكرية ثالثا: (تجربة عبد الناصر، حافظ الأسد، معمر القدافي). حيث أسقط العروبيون من حساباتهم قيم الحرية والمواطنة، وآمنوا بالتغيير الفوقي. فهل المطلوب وحدة الأنظمة أم وحدة الشعوب؟ وكيف يمكن “رص الصفوف” استعدادا “للمعركة الموعودة”، إذا كان الإنسان العربي مكبلا بقيد الإستبداد ؟، إن العروبيين اليوم في ورطة تاريخية، بسبب تبرير الجرائم والمجازر اليومية التي يرتكبها سفاح دمشق بحق شعبه، الذي انتفض بعد صبر طويل على استبداد الوالد والولد، وعبر عن شوقه كغيره من الشعوب لمعانقة الحرية.
لقد أخفقت التجارب القومية في تقديم نموذج حكم جاذب لشعوب المنطقة العربية، في علاقة بالحريات والحقوق والأقليات ويرى منتقدو القومية العربية أنها دعوة شوفينية، لا تستوعب العرقيات والإثنيات إلا إكراها..، على رأي الكاتب “سليم الحكيمي”. وهذا ينافي مراد الله من خلق الناس مختلفين: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” قرآن كريم. وفي علاقة بالتقارب بين الأنظمة العروبية، حيث سادت حالة التنافر بين البعث السوري والبعث العراقي)، وقبل النظام السوري أن يكون شريكا للإمبريالية في تدمير العراق الذي كان قاب قوسين أو أدنى من بناء دولة متقدمة على جميع الصعد، في تناقض صارخ مع دعوة ساطع الحصري إلى رص الصفوف لمواجهة الإمبريالية. يضاف إلى كل ما سبق أن الدعوة إلى توحيد الأقطار العربية على اساس عرقي كانت سببا في إحياء هويات وثنية من قبيل (النزعة الفرعونية، والأمازيغية والكردية) أصبحت تهدد بالإنفصال.
يشير الكاتب سليم الحكيمي إلى أن قوة صلاح الدين تكمن “في جمع المسلمين على هدف واحد” لهذا السبب نجح في التحرير وساد وانتصر.
نظرية القومية العربية لم تفشل في تحقيق الوحدة العربية فحسب، بل إنها فشلت في تحقيق وحدة وطنية، وارتدت دعوة طائفية على عهد بشار الأسد، ومن حيث علاقتها بالإسلام، فهي لا تعتبره مقوما اساسيا للوحدة فهي إما تقصيه تماما وإما تعتبره عاملا ثانويا، مما يؤكد أن قيامها كان بهدف قطع الطريق على الوحدة الإسلامية.
أزمة النخب في تونس: خطابات ماضوية مغلفة بقشور الحداثة (1) / اليسار نموذجا
أزمة النخب في تونس: خطابات ماضوية مغلفة بقشور الحداثة (3) / الإسلاميون نموذجا