أجور القضاة في “قبضة” الوزير والمتفقد العام !

القاضي أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء

في ظل الترقب الذي يخيم على المحاكم والانتظار الذي يؤرق القضاة خصوصا بعد المصادقة على “المبادرة التشريعية “المتعلقة بالمجلس الاعلى للقضاء وما اثارته من جدل حاد، يظهر ان وزير العدل السيد غازي الجريبي مازال مصرا على زيادة الاحتقان في الوسط القضائي ومواصلة “الاصطدام” باغلبية القضاة على مختلف اصنافهم !

وفي فصل جديد -يضاف الى معالجته “المنحازة” و”غير الموفقة” لملف المجلس الاعلى للقضاء!- نرى وزير العدل -وهو يجر معه المتفقد العام بوزارته السيد محمود كعباش- يحاول ان “يتصيد” اكثر ما يمكن من القضاة “المضربين” الذين مازالوا يتصدون لمشاريع “تدجين القضاء” ويرفعون اصواتهم فوق صوت الحكومة !

وحتى يمارس صلاحياته كاملة ويصل الى نهاية اهدافه!، وجه وزير العدل يوم 3 افريل الفارط مذكرة الى المتفقد العام (وهو احد المسؤولين القضائيين بالوزارة) بقصد تنفيذ تبعات اضراب القضاة وهو “الحجز آليا لجزء من مرتباتهم بما يوافق مدة الانقطاع عن العمل” وذلك في حدود ايام الاضراب الموافقة ليوم 27 فيفري 2017 وايام 8-9-27-28-29 مارس 2017.

ولم ينس الوزير ان يضمن مذكرته كل الاسانيد المستمدة من الدستور ومجلة المحاسبة العمومية والقانون المتعلق بالنظام الاساسي لاعوان الدولة فضلا عن قرارات المحكمة الادارية!

وتبعا لتلك المذكرة “الوزيرية” وجه المتفقد العام بوزارة العدل (وهو بالمناسبة احد اعضاء الهيئة الوقتية للقضاء العدلي) بتاريخ 10 افريل الجاري مكاتيب مباشرة -على غير العادة- الى كافة رؤساء المحاكم الابتدائية لمد “التفقدية بقوائم اسمية للسادة القضاة المضربين عن العمل” بمحاكمهم ومحاكم النواحي الراجعة اليهم بالنظر في احسن الآجال (كذا في الاصل).

ويتبين من نص المكاتيب الموجهة ان المتفقد العام قد دفع بنفسه (ولا ادري ان كان على وعي بذلك !) الى مرتبة “الموظف” لدى وزير العدل (ولا حتى لدى الوزارة) وذلك بتبنيه لمذكرة الوزير باسرها وكافة جوانبها ونواحيها دون تصرف!.

وانا -واعوذ بالله!- بصفتي احد القضاة المشاركين في الاضراب (الذين خضعوا للاقتطاع من اجورهم سواء قبل الثورة او بعدها) استسمح الوزير وزميلي العزيز (السيد محمود كعباش) في ملاحظة شيئين:

اولاهما (للوزير والقاضي): هل كان لكما ان تعلما ان هذه الاساليب (في مواجهة القضاة) لم تحصل لاول مرة وان نظام القوائم والمذكرات واقتطاع الاجور و”تطبيقات المراقبة”…الخ لن يغير من واقع القضاء ولا في جوهر الصراع قيد انملة ؟!. واسالوا في ذلك اسلافكم البشير التكاري والازهر بوعوني ومصطفى بوعزيز وعبد الله القلال… ولطفي الدواس وعبد الرؤوف بالشيخ ومحمد اللجمي ومحمد صالح بن عياد…الخ. فاين كسرى وهامان.. اين ملوك الزمان ؟!.

ثانيهما (للقاضي خصوصا): هل كان له ان ينسى -بصفته عضوا بالهيئة الوقتية للقضاء العدلي التي اكدت المحكمة الادارية مشروعية استمرارها- ان هذه الهيئة قد سبق لها منذ شهر ونيف (بيان 3 مارس 2017):

أ. التحذير من خطورة التمشي الذي ينتهجه وزير العدل في التعاطي مع حق القضاة في التعبير وسعيه إلى استعادة الهيمنة على القضاء والقضاة من خلال توظيف التفقدية العامة في الضغط على القضاة والتضييق على حقهم في التعبير!.

ب. التنبيه الى أن توجيه تعليمات مباشرة أو غير مباشرة من وزير العدل إلى السادة المسؤولين الأول على المحاكم يتعارض ومقومات استقلال القضاء والقضاة ويتجافى ومبدأ الفصل بين السلط ويمثل انحرافا منه بصلاحياته!.

ج. التاكيد على أن مطالبة السادة المسؤولين الأول على المحاكم بإعداد تقارير وقوائم إسمية في القضاة على خلفية ممارسة حقهم في الإضراب، يعد مساسا بالاحترام الواجب لهم ونيلا من اعتبارهم لما في ذلك من زيغ عن الدور الموكول لهم قانونا في الإشراف على المحاكم!.

وتبعا لذلك (وللمبادئ التي كان عليك ان تاخذ بها !) اليس من الاجدر بك (كما دعت الهيئة) ان تناى بنفسك عن الانخراط في مثل هذه الممارسات الماسة بهيبة القضاء والقضاة؟!.

Exit mobile version